بعد حرب «حماس»، مع إسرائيل التي لا زالت مستمرة، هناك أسئلة جوهرية نطرحها، للوصول إلى الاتجاه الصحيح للوقوف مع القضية الفلسطينية ودعمها بكل حمولاتها التاريخية والدينية والسياسية. وأتساءل: ما هي الآثار الجانبية لـ «طوفان الأقصى»؟

القلق الأول والخوف الأشد، هو من ضياع القضية الفلسطينية وتصفيتها، ويذهب القدس والدولة المرتقبة ضحية لهذا «الطوفان» غير المنضبط بموازين القوى السياسية الدولية والإقليمية. الأمر الآخر هو في استخدام سلاح «الإبادة» لشعب تعداده في غزة 2.7 مليون نسمة، وليس فصيل مقاتل فحسب. أما «التهجير» الذي نراه عبر وسائل الإعلام، فقد استخدم منذ تأسيس إسرائيل في العام 1948، وهو سيناريو مطروح في أروقة بعض متخذي القرار في العالم. الهدنة المؤقتة، إحدى الوسائل الشرعية والسياسة الواقعية، حتى لا يتعرض الشعب لما هو أسوأ.

حياة الشعب الفلسطيني والحيلولة دون استئصاله أولوية قصوى في هذا الظرف، ويبدو أنها تسبق من حيث الأهمية والراهنية الحديث عن الدولة الفلسطينية التي تأخر تدشينها، وهذا التأخير هو أحد أسباب التدهور الخطير في القضية الفلسطينية. وبالإضافة إلى هذا المشهد المتفجر، أصبح الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، مصدر خطر على القضية، وبات الشق أوسع على الراتق، وهذا يؤخر قيام دولة الحلم الفلسطيني لماذا؟

سوف نستمد عون الإجابة من أحد أقرب مستشار سياسي لعرفات، وهو مروان كنفاني، حيث يقول في أول صفحة من مذكراته: «منذ بداية ما أصبح معروفاً بالمشكلة الفلسطينية، منذ أكثر من قرن مضى، اتفق الفلسطينيون على أشياء كثيرة، اتفقوا عبر أجيال طويلة على حب بلادهم والتضحية من أجل الحفاظ عليها، وأبقوها حية في قلوبهم جيلاً بعد جيل، وضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء بالجهد والدم. و لكن الفلسطينيين اختلفوا، منذ تلك البداية أيضاً، على شيء واحد فقط، من منهم سوف يحكم فلسطين؟

كان ذلك الاختلاف الوحيد بينهم، هو أحد الأسباب في عدم تمكنهم من تحقيق كل ما أتفقوا عليه، على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه جميعهم». هذا من الداخل، أما عن المحيط الخارجي، فإن العون من بعد عون الله لا بد وأن يأتي من الأقرب إلى الأبعد، حتى يشمل العالم العربي والإسلامي ومن ثم العالم أجمع، من أجل الإنسان الفلسطيني وهو الأقدس في هذه المرحلة من القدس ومن أي مقدس آخر، هذا هو الأصل.

و إن ضاقت السبل بهذا الشعب المرابط حول المقدس، لا بد له في هذا الظرف الاستثنائي من استيعاب فلسفة المصائب وقبول المرء لها. المصائب تحدث يقينا، سيموت من نحب، وربما يتغير من نثق به، ويضيع ما نتمنى دوام امتلاكه.. ستحدث المصائب لأننا لا نملك قواعد اللعبة.. وعندما تقع المصيبة فالمرء منا إما أن يجزع جزعاً يذهب العقل ولا يعيد ما فات.. أو أن يصبر محتبساً على أمل أن يحمل الغد خبراً سعيداً.

كلنا في مصيدة الأقدار.. توزع علينا الحياة أوراق اللعب، والحقيقة أن الفائز ليس فقط من يملك أوراق جيدة، وإنما من يقدر على اللعب جيداً بالأوراق السيئة. و نعتبر بقول الشاعر: إذا الشدائد أقبلت بجنودها والدهر من بعد المسرة أوجعك أرفع يديك إلى السماء ففوقها رب إذا ناديته ما ضيعك.

*كاتب إماراتي