عُقد منذ أيام المنتدى الدولي «الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف» في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وذلك بالشراكة بين الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي برابطة العالم الإسلامي واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا). وعُقدت أعمال المنتدى بمشاركة كبرى وكالات الأنباء الإسلامية والعالمية وأبرز القيادات الدينية والفكرية والقانونية والحقوقية وقادة المنظمات الدولية.
وتحدثتُ في المنتدى عن موضوع ذي أهمية كبيرة يتعلق «بالتحالفات الدينية والإعلامية الدولية لمواجهة الكراهية والعنف»، وقلتُ إنه موضوع دقيق وعليه يتوقف مستقبل البشرية، خاصةً وأن طبيعة العلاقات الدولية قد تغيرت بالكامل، والخاسر في البيئة الدولية المعقدة هو الذي يكتفي بقراءة الخرائط التقليدية للجيوبوليتيك، معتقداً أن ما يجري يدخل في إطار الصراعات الكلاسيكية انطلاقاً من المنطق الترابي أو السياسي أو الاستراتيجي، في حين أن ما يجري يجعل العالم متحركاً وقواعده متخطيةً لحدود السيادة الوطنية، وفي تغير مستمر يؤطره فاعلون متعددون ومؤسسات كثيرة على رأسها وسائل الإعلام، أي السلطة الرابعة التي أصبحت تصنع الرأي، وتنقل الخبر، وتحلل الوقائع، وتؤثر على العقول، وتوجه الأفرادَ والدول، وتكوِّن المدارسَ، وتدعم أيديولوجياتٍ وتحطم أخرى، وتغذي توجهات فكرية أو تفندها، وتنمي حب الآخر أو تسهم في نفيه من المجتمع كما يحدث مع المهاجرين في المجتمعات الغربية الذين يتعرضون لخطاب الكراهية.
ويطرح خطاب الكراهية، أينما كان وأياً كان مروِّجه، تساؤلاتٍ كثيرة ويثير حوارات عقيمة حول مدى قابلية تعايش فئات من الناس مع الآخر بسبب لون بشرته أو بسبب عرقه أو انتمائه الحضاري والثقافي. ومن هنا دور القادة الدينيين والإعلاميين في مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على الآخر، خصوصاً أن تأثيرهم كبير ومهم في التصدي له ونشر خطاب بديل يقوم على التسامح والتعايش والاعتراف بحق الآخر.
قلتُ في ورقتي إن وجود تحالف ديني إعلامي وسطي متزن هو أحد الحلول الممكنة التي من شأنها أن تسهم في إيقاف ارتفاع درجة حرارة الكراهية والحد من انتشار خطابها الصدامي، ولأن الدين عامٌّ وإنسانيٌ وشامل فهو يستشرف في الإنسان أرقى ما فيه وأسمى ما يمكن أن يصل إليه في حياته وبعد مماته، وعلى العكس منه السياسة الكاذبة المغرضة التي تستثير في الفرد أحط ما يمكن أن ينزل إليه وأدنى ما يمكن أن يهبط فيه، وهذا ما يحدث تالياً مع الجماعة باعتبار أن أي جماعة مجتمعية هي اتحاد أفراد. ومن الواضح أن ممارسة السياسة الكاذبة وشحنها في وسائل الإعلام، سواء أكانت إعلاماً تقليدياً أم إعلاماً جديداً (منصات التواصل الاجتماعي)، يحوِّل المجتمعات إلى حروب لا تنتهي وتصدعات لا تتوقف وصراعات لا تخمد وأتون لا يهمد.. وعندها تصبح غايات الفاعلين هي المناصب والمكاسب وتختلط الأهداف بالمغانم وتفسد الضمائر بالعروض والصفقات والمنافع. 
إن التحالف الديني الإعلامي هو أحد الحلول الجادة التي يمكنها أن تواجه الكراهية التي هي داء خطير يأتي على الأخضر واليابس، خاصةً إذا كان خطاب الكراهية معتمداً على مرجعيات فكرية مغرضة نمت وتسيست في حقب مضطربة.. فعندها يصبح هذا الخطاب داءً عضالاً وفيروساً فتاكاً يقضي على أصول التعايش وقواعد التعاون.

*أكاديمي مغربي