استمراراً لتصحيح مسار العمل المناخي الدولي، تمكنت دولة الإمارات من إنجاز «اتفاق الإمارات»، الذي يُعدُّ بداية حقيقية للعمل المناخي الدولي في ظل استمرار المفاوضات الدولية نحو ثلاثين عاماً دون النجاح في تحقيق أهداف اتفاقية تغير المناخ 1994، وتثبيت تركيزات غازات الدفيئة بالغلاف الجوي، أو تمكن الدول المتقدمة من تحقيق التزاماتها بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة خمسة بالمئة طبقاً لبروتوكول كيوتو 1997، أو تفعيل «اتفاق باريس 2015» للحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية عند 2 درجة مئوية، ويفضل 1.5درجة مئوية، بل وصلت الزيادة في متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية طبقاً لتقارير الهيئة الحكومية الدولية إلى 1.2 درجة مئوية حالياً.
وتُعدُّ الإشارة المباشرة إلى الوقود الأحفوري في القرار النهائي لـ «كوب28»، السابقة الأولى من نوعها، حيث نص القرار على الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، وتسريع العمل في هذا العقد لتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050، بما يتماشى مع العلم. كما تم التوافق على مضاعفة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة ثلاثة أضعاف، وتحسين كفاءة الطاقة ضعفين، والتخلص النهائي من دعم الوقود الأحفوري غير الفعال. وقد تكررت مطالبة العديد من الأطراف بهذه البنود خلال مؤتمرات تغير المناخ السابقة، دون أن تنجح هذه المطالبات في إقرارها. ويشير ذلك إلى حكمة قرار القيادة باختيار معالي الدكتور سلطان الجابر رئيساً للمؤتمر، وتبنيه سياسات انفتاحيه على منتجي النفط ومصنعيه للوصول إلى حلول ناجعة تتيح تحقيق التحول العادل المنصف في ملف الطاقة، وأهداف اتفاقيات تغير المناخ السابق ذكرها.
كما جاء ملف التمويل أيضاً بسابقة هي الأولى من نوعها عالمياً، بإقرار تشغيل صندوق الخسائر والأضرار منذ اليوم الأول للمؤتمر، بل وتخصيص دولة الإمارات مبلغ 100 مليون دولار لتشغيل الصندوق، وتمكنها من الوصول إلى مبلغ 792 مليون دولار بنهاية المؤتمر لضمان التشغيل الكامل والفعال لتلك الآلية. كما تم جمع مبلغ 3.2 مليار دولار لصندوق المناخ الأخضر، وأعلنت دولة الإمارات عن إنشاء «صندوق ألتيرا للحلول المناخية» بمبلغ 30 مليار، مع العمل على حشد استثمارات من القطاع الخاص ليصل المبلغ الإجمالي إلى 250 مليار دولار بحلول 2030. وبذلك يبلغ إجمالي ما تم جمعه خلال المؤتمر 83.9 مليار دولار لكافة أنشطة تغير المناخ عالمياً.
وفيما يخص ملف التكيف، كان الاجتماع الوزاري الأول لوزراء الصحة سابقة أولى من نوعها أيضاً، في ظل ما شاهده العالم من تداعيات «كوفيد 19» على النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يثبت الرؤية الثاقبة لفريق عمل «كوب28» تجاه الاهتمام بعقد هذا الاجتماع في إطار دعم القطاع الصحي العالمي الذي يُعدُّ خط الدفاع الأول في كافة الجوائح والأزمات المناخية المحتمل زيادة عددها وشدتها مستقبلاً، بالإضافة إلى إقرار إطار عمل الإمارات للقدرة على الصمود للمساعدة في تحقيق الهدف العالمي للتكيف طبقاً لاتفاق باريس، وتقديم 134 مليون دولار لصندوق التكيّف، و31 مليون دولار للصندوق الخاص لتغير المناخ، و150 مليون دولار لأمن المياه.
ويُضاف إلى ما سبق، إطلاق مجموعة من الإعلانات والتعهدات الأولى من نوعها، التي تشمل مجالات الانتقال إلى أنظمة غذائية مستدامة، والصحة، والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، بالإضافة إلى مبادرات لخفض الانبعاثات من الصناعات كثيفة الانبعاثات. وتأتي هذه الإنجازات، لتؤكد على قيادة دولة الإمارات عملية التحول العالمي في التعاطي مع ملف التغيرات المناخية، لتتحول الشعارات والمبادئ إلى إنجازات واقعية قابلة للتحقق والتنفيذ.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية