مرت كتابة الموسوعات المتخصصة ثم العامة في تاريخنا الثقافي بمرحلتين، ونحن اليوم في أفق المرحلة الثالثة. المرحلة الأولى وهي مرحلة عربية إسلامية، وكانت أنواعاً متعددة مثل تواريخ المدن مثل دمشق أو بغداد أو صنعاء، وهي في الغالب تراجم لعلماء هذه المدينة أو تلك. وربما تكون أحياناً موسوعةً لتراجم العلماء من تخصص معين مثل المحدّثين أو الفقهاء أو المفسّرين. بيد أنّ هذه المرحلة أيضاً شهدت في الجانب اللغوي المعجمي إلى جانب المجموعات الخاصة في أسماء كذا وكذا- معاجم عامة أو موسوعات حاولت على حروف المعجم استيعاب وفهرسة المعروف من اللغة العربية، وأقدمها كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي. وإلى جانب موسوعات اللغة المعروفة بالمعاجم أو القواميس، ظهرت بعد فترةٍ كتب الجغرافيا العامة. وهذا النوع من الموسوعات بالذات (من القرن الرابع الهجري وما بعده) يستند إلى تراثٍ قديمٍ لأقاليم الأرض السبعة لدى الإغريق والإيرانيين. ولفظ الجغرافيا هو تعريب لكلمة إغريقية تعني وصف الأرض. وكان عنوان بعض كتب الجغرافيا العربية: صورة الأرض. ومع الوقت انقسمت هذه الكتب الموسوعية إلى قسمين: وصف نظري لأقاليم الأرض السبعة وتضاريسها وأحوال طقسها، أما القسم الآخر فينطبق عليه اسم الجغرافية البشرية، لأنه بعد تحديد مكان هذا القسم في عالم الأرض وتضاريسه ومدنه وأنهاره وجباله، يأتي الحديث عن السكان وفئاتهم وأديانهم ومذاهبهم وتوزعهم. وموسوعات الجغرافيين المسلمين في الحقيقة هي عروض لجغرافية دار الإسلام البشرية، وبعضها مثل معجم البلدان لياقوت الحموي يختفي فيه الجهد النظري، وفي البعض الآخر توازن بين تقليد صورة الأرض وتقليد الجغرافيا البشرية مثل «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» لشهاب الدين العمري.
إنّ القسم الثاني الكبير من الموسوعات هو القسم الحديث الذي ظهر في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وقد ارتبط بالنهوض الأوروبي، وكان الغرض منه عرض المعارف التي تُعتبر حديثةً، ونقد التصورات التقليدية للعالم والإنسان ومعارفه. وبذلك اشتهرت موسوعة ديدَرو عشية الثورة الفرنسية، ثم صار ذلك تقليداً لدى الدول والثقافات الكبرى مثل الإنسيكلوبيديا البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية، وهي تُعنى بالمعارف من كل نوعٍ حتى اللغوي واللساني منها. ومن هذا النوع وإن لم ترتبط ببلد بل بثقافة، «الموسوعة الإسلامية» التي ينشرها المستشرقون على مدى أكثر من مائة عام في صورةٍ معجمية عن كل ما يتعلق بحضارة الإسلام.
ولنصل إلى الهدف من هذه المطالعة. فقبل أيام عرض الأستاذ عبد الله ماجد آل علي المدير العام للأرشيف والمكتبة الوطنية خطة ومشروع موسوعة الإمارات العربية. وقد أوضح الأستاذ آل علي أن المشروع استغرق إعداده فترة حفلت باجتماعات الخبراء واقتراحاتهم وتعديلاتهم وجرى الإعلان عن الافتتاح وبدء العمل التنفيذي بعد اكتمال الاستعداد والتحضير.
إنّ موسوعات الأمم والدول هي أفقٌ آخر، جديد نسبياً، بعد أفق المعارف والثقافات. وهو يعني التركيز على الجغرافيا التاريخية والسياسية والحضارية لدولةٍ معينة بعدة مقاصد: التعريف والاستكشاف وتأكيد ارتباط البُعد الثقافي والحضاري بالسياسي والسيادي، والانفتاح الداخلي وعلى الجوار والعالم، بحيث تكون هذه الأبعاد جميعاً بارزةً في الهوية والعراقة ومقولة الشرعية المتفتحة على المستقبل. إنّ هذا النوع من الموسوعات صار مألوفاً ومطلوباً في القرن العشرين على وجه الخصوص مع تبلور مشروع الدولة القومية في النظام الدولي. وكان لوريمر قد كتب «دليل الخليج»، لكنه صار تاريخاً الآن، بينما ستكون موسوعة دولة الإمارات الجديدة تاريخاً بمثابة حوار بين الماضي والحاضر والمستقبل.
 
*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية