لأول مرة منذ بدء الحرب الحالية في غزة امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن على قرار بخصوص وقف الحرب في غزة، حيث لم تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد النص الجديد الذي قدمته الدول العشر (الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن)، والذي يطالب بوقف الحرب بشكل فوري طيلة شهر رمضان، دون ربط ذلك بتحرير الرهائن المحتجزين لدى «حماس» منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وصدر القرار رقم 2728، في 25 مارس 2024 بدعم 14 دولة من الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن. وغرّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على منصة «إكس» قائلاً: «ينبغي تنفيذ هذا القرار.. إن الفشل سيكون أمراً لا يغتفر».

بالنسبة لإسرائيل، يعتبر هذا القرار تراجعاً عن الموقف الأميركي الثابت في مجلس الأمن منذ بداية الحرب. وفي أول رد فعل على القرار، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه لن يرسل وفداً إلى واشنطن، كما كان مقرّراً بناءً على طلب الرئيس الأميركي جو بايدن. وكان من المقرر أن يجتمع مسؤولون إسرائيليون وأميركيون لبحث تنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية محتملة في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وهي العملية التي تعارضها واشنطن. ووصف بيان مكتب نتنياهو ما حدث بأنه «تراجع واضح عن موقف الولايات المتحدة المتسق في مجلس الأمن منذ بدء الحرب»، معتبِراً أنّ امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو لإحباط القرار «يضرّ بالمجهود الحربي وجهود إطلاق سراح الرهائن».

وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بأن وقف الحرب في غزة قد يقرّب حرباً على الجبهة الشمالية، مضيفاً: «ليس هناك حق أخلاقي لأحد لوقف الحرب دون تحرير المختطَفين». أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير فاتهم الأمم المتحدة وأمينها العام بمعاداة السامية وقال: «علينا زيادة التصعيد ومواصلة القتال بكل قوتنا وبأي ثمن لهزيمة (حماس) بعد القرار الدولي الأخير». وفي المقابل رحبت «حماس» بقرار مجلس الأمن الدولي ودعت إلى تنفيذه فوراً، وأكدت استعدادَها للدخول في عملية تبادل أسرى تؤدي إلى إطلاق سراح المعتقلين لدى الجانبين.

ورحبت دول عدة بتبني مجلس الأمن الدولي للقرار، لكن هل يشير امتناع واشنطن عن التصويت ضد قرار أممي لا يتفق مع الأجندة الإسرائيلية إلى تغيير في السياسة الأميركية؟ الواقع أن الضغوط الدولية لفرض هدنة في قطاع غزة تتزايد بشكل ملحوظ، لا سيما بعد أن حذّر برنامج الأغذية العالمي من مجاعة متوقعة في المحافظتين الشماليتين للقطاع بحلول مايو المقبل في حال لم يتم إيصال المزيد من المساعدات إلى القطاع.

كما سبق وحذر أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي من أن جميع سكان القطاع يعانون «مستوياتٍ حادةً من انعدام الأمن الغذائي». ومع اقتراب شبح المجاعة في غزة، حيث أصبح وقف إطلاق النار ولو مؤقتاً من بين أولويات المجتمع الدولي، فإن تغيير الموقف الأميركي يعود لاعتبارات خارجية وأخرى داخلية تتعلق بالمشهد الانتخابي المرتقب في نوفمبر المقبل، حيث يتعرض البيت الأبيض لضغوطات من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، ومن الناخبين العرب والمسلمين المعارضين للسياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل بلا شروط.. لذا فـ«الديمقراطيون» مجبرون على المناورة. ويبقى السؤال الأهم: هل ستلتزم إسرائيل بقرار مجلس الأمن الدولي؟ على الرغم من كافة الشكوك في أن إسرائيل ستذعن للقرار، إلا أن صدوره يشير إلى تغير إيجابي في المشهد الدولي.

*كاتبة إماراتية