الحظوظ السياسية للرئيس الأرجنتيني موريسيو ماكري تنهار بعد أن ألحق الناخبون هزيمة ساحقة به في الانتخابات التمهيدية في 11 أغسطس الماضي. ثم ألقت الأسواق المالية بظلالها الثقيلة لتسحق التصنيف الائتماني السيادي للبلاد والبيزو. والآن، وبعد أن أصبح أتباع توجه الرئيس الأرجنتيني السابق الشهير خوان بيرون، المبذرين تقليديا، يستعدون للعودة إلى السلطة، يبحث صندوق النقد الدولي إذا ما كان سيلقي بشريحة أخرى من أكبر خططه للانقاذ في العالم إلى الفراغ في الأرجنتين. وإعلان ماكري يوم الأربعاء الماضي عن خطط لتأجيل دفع مليارات الدولارات لسداد الديون الخارجية لن يزيد شكوك الصندوق إلا قوة على الأرجح.
فماذا يعني قلة حظ «ماكري» بالنسبة للزعماء المحافظين المشابهين له في العقلية الذين انتخبوا ليغيروا المسار في منطقة تترنح بسبب ارتفاع معدلات البطالة وسخط الناخبين وبطء الاقتصاد؟ فقد شهد «سباستيان بينيرا» في شيلي و«إيفان دوك» في كولومبيا انخفاضاً في مستويات التأييد لهما إلى أقل من 35%. ولا يؤيد الزعيم اليساري الإكوادوري «لينين مورينو» إلا 22% من السكان. ورئيس بيرو الإصلاحي المؤقت، الصديق لرجال الأعمال، مارتين فيزكارا يحاول التصدي لكونجرس شعبوي. وارتفعت معدلات عدم تأييد للرئيس اليميني البرازيلي خايير بولسونارو من أقل من الثلث في فبراير إلى أكثر من النصف في الأيام القليلة الماضية.
وفي السياسة المتأرجحة لأميركا اللاتينية، من المغري استنتاج أن مثل هذه المشكلات لليمين الحاكم تعكس ميلا شعبيا نحو المرشحين من اليسار مثل ألبرتو فرنانديز في الأرجنتين. لكن هناك القليل من الحنين لما عرف بالمد الوردي الذي صعد إلى السلطة العقد الماضي في أعقاب ثورة هوجو شافيز البوليفارية أو الاقتصاد المنتعش للبرازيل في عهد لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. الواقع أن هذا ليس عودة إحياء لليسار بل نَدمُ الناخبين على اختياراتهم.
فقد صعد الجناح اليميني الجديد مدعوما بمطالبة المجتمعات بتطهير المناصب العامة من الفساد. وقدم «اليمين» حلولاً مثل الإدارة الجيدة والشفافية وسحر الأسواق لتطهير النظام واستعادة النمو. لكن بدلا من قيام اليمين بهذا، أصبح زعماء اليمين يواجهون شعور احتمال اليأس من الإصلاح ويتمسكون الآن بالسلطة في ظل سوء أداء الاقتصاد.
ومن المهم أن نتذكر أن الناخبين لم يتمتعوا بمثل هذا النفوذ من قبل. فالناخبون يرفعون سقف المطالب في كل مكان للمرشحين بصرف النظر عن توجههم السياسي. وتجدر الإشارة إلى أن الانتعاش الاقتصادي الناتج عن تصدير المواد الأولية في العقد الماضي أدى إلى انخفاض الفقر بما يقرب النصف ورفع ملايين السكان إلى الطبقة الوسطى التي أصبحت تمثل 36% من السكان. وارتفعت التوقعات مع هذا التحسن وأصبح الناخبون يتعقبون الزعماء الذين وعدوا باستمرار الرخاء لكنهم عجزوا عن ذلك.
ففي عام 2006، كان 63% من السكان في أميركا اللاتينية والكاريبي يعبرون عن رضاهم عن التعليم بينما انخفضت هذه النسبة في عام 2017 إلى 56%. والآن هناك 64% في أميركا اللاتينية والكاريبي يعلنون عن عدم ثقتهم في الحكومات الوطنية وهناك 75% من سكان المنطقة يعتبرون المؤسسات الحاكمة فاسدة. وعدم الثقة يعصف بالعقد الاجتماعي. فهناك 54% قالوا إن عدم دفعهم الضرائب له ما يسوغه. والمثير للقلق أن الإحباط الشعبي يقوض الإيمان بالديمقراطية، وهذا شائع وسط الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً ويمثلون 25% من سكان أميركا اللاتينية ممن لا يعرفون صيغة أخرى من الحكم وهم يشعرون الآن بالإحباط من مزايا الديمقراطية القليلة.
وأربك المزاج المشاكس الخبراء. فقد كان من المفترض أن يعزز ظهور طبقة وسطى واعية آليات الرقابة الديمقراطية والتوازن بين السلطات ويحصن المنطقة ضد المستبدين. لكن استمرار عدم المساواة والقطاع غير الرسمي الهائل وشبح الانزلاق مرة أخرى في أسر الحاجة زلزل هذا الاعتداد بالذات. والخطر الآن هو أن يستغل المرشحون الانتهازيون والمتطرفون عدم الشعور المتصاعد بالأمن هذا في إذكاء الاستقطاب السياسي وإفساح المجال لعودة أقدم آفات أميركا اللاتينية وهي الولع الشعبوي.
لكن الناخبين الذين يطالبون بالمزيد دوماً لا يمثلون أخباراً سيئة للديمقراطية. فحتى تغير الحظوظ قد يقلص التهاون الشعبي تجاه الوعود الزائفة ويخضع المرشحين للمساءلة. وتجاوزات الشعبوية بمفاقمتها الاستقطاب تخلق ارتدادا تلقائيا يستدعي استجابة ديمقراطيا صحية. والأسواق المالية يمكنها أيضا أن تلعب دوراً أيضاً وتعاقب التبذير والإسراف المالي.
*كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»