لا تخلو محنةٌ من منحةٍ، ولا منحةٍ بلا شائبة، هذا جزء من طبيعة الحياة وطبيعة الإنسان وهو أمرٌ لا يحتاج لتعديد شواهده فهي ماثلة للعيان في التاريخ والواقع ويعرفها غالب البشر بأنفسهم وتجاربهم حتى دون تعلّمٍ.
وباء كورونا يمثل محنةً وتحدياً خطيراً على كافة البشر وكل الدول، وتعداد مخاطره تملأ الفضاء العام على كافة المستويات ولكن يمكن للمتابع تلمّس بعض مظاهر الإنسانية الملفتة والتي تمثل قبساً من أملٍ في ظلام الأخبار المتتابعة.
أهم هذه المظاهر هو التكاتف واسع النطاق الذي ظهر بين الكل تجاه الكل، دولاً ومجتمعاتٍ وأفرادٍ، فالجميع واقعٌ تحت خطرٍ داهمٍ ويفتش عن أي مخرجٍ، وبالتالي أصبح ثمة تعاونٌ وتكاملٌ وتبادلٌ للمعلومات والخبرات، ومنظمة الصحة العالمية تقود التنسيق بين مراكز الأبحاث رسمية وأهلية وبين المستشفيات والقطاعات الصحية، وقد تنبه العالم إلى أهمية تطوير الاستثمارات في الطب والصحة ومستقبلهما في حماية الإنسان.
هناك طبقاتٌ ثلاثٌ من المجتمعات خطيرةٌ جداً في هذا الوقت العصيب من تاريخ البشرية أولها رجال الدين المسيّسون أو الغارقون في الخرافة، وهؤلاء تداول الناس فتاواهم القاتلة بنصح الناس بعدم اتباع الإرشادات الصحية الحكومية، فالمسيّسون يريدون التخريب على الحكومات وخططها حتى لو أدى ذلك لموت الملايين، والخرافيون ينصحون الناس بترك العلم والانسياق خلف الإيديولوجيا بتفسيراتهم الجاهلة، وأوضح الأمثلة على الأول ما كتبه الكويتي حاكم المطيري من رفضٍ جاهلٍ لإغلاق المساجد، وعلى الثاني رجل دينٍ عراقيٍ يصر على عدم تطبيق الاحترازات الصحية وأن الخرافة ستحمي الجميع.
الطبقة الثانية والثالثة هم تافهون بحقٍ يتحدثون فيما لا يحسنون ويبثون للناس جهلهم وتفاهتهم عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من السبل، ومن ذلك بعض الشعراء الشعبيين الجهلة وبعض مشاهير «سوشيال ميديا» الشعبويين التافهين، وهذان يعتقدان كل بحسبه أن الإصرار على الصلاة في المساجد يعني قوة الإيمان وهذا جهلٌ مطبقٌ بأولويات الدين وقيمة الإنسان في الإسلام، أو يعتقدان أن تحدّي فيروس كورونا يعتبر إثباتاً للرجولة والشجاعة بينما هو في الواقع جبنٌ عن الاعتراف بخطر المرض وقوة فتكه بالناس كما أنه غدرٌ بالأبناء والعائلة والمجتمع بأسره حين يساهم جهلاً في تفشي الوباء وانتشاره.
الأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء بطبقاتهم الثلاث ومتابعة كل من يؤيدهم عن طريق القوات الأمنية هو واجب الدول لأن السفهاء وأتباعهم في هذه الحالة ليسوا أكثر من قنابل بيولوجية تسعى لتدمير المجتمع والدولة ونشر الفوضى وتدمير الإنسان.
إذا كانت واجبات الدين تسقط عن الناس في مثل هذه الحالات الاضطرارية فكيف بأعرافٍ باليةٍ وتقاليد مقيتةٍ، ومجرمو تخريب العقول أخطر من مجرمي تخريب الممتلكات، فأمثال حسن البنا أو سيد قطب هم أشنع إجراماً من اللصوص وأمثالهم من المجرمين.
يجب الإشارة هنا إلى نقطةٍ مهمةٍ، وهي أن إيقاف العمرة إجراء مؤقت محدد بظروفٍ طارئةٍ ينتفي بانتفائها، وأن صلاة الجماعة التي يمكن إقامتها في البيوت تسقط في حال الضرورة فكيف بالصلاة في المساجد التي تسقط من باب أولى.
أمرٌ آخرٌ وهو أن الذي يحدد المصلحة العامة للناس هو ولي الأمر والحاكم وليس عناصر جماعات الإسلام السياسي التي لا هم لها إلا إثبات عجز الحكومات حتى يتسنى لهم الوصول إلى السلطة، وسلامة الشعوب آخر ما يهم هذه الجماعات، وكم هو محزنٌ إنسانياً وفاضح لهذه الجماعات أن يخرج بعض عناصر جماعة «الإخوان» ينصحون كل مصابٍ بفيروس كورونا أن يختلط بالناس ويذهب للأماكن العامة حتى يعدي أكبر قدرٍ ممكنٍ من الناس.
*كاتب سعودي