بعد قليل ستوقد شعلة الأربعين، والأربعون عمر النضج والوهج والخصوبة والنماء، والأربعون عمر الرسوخ والاستقرار والحكمة والعطاء، والوصول إلى هذا الرقم بالنسبة لتاريخ دولة يكتسب أهمية من حيث الإدارة والسياسة والاقتصاد والتربية والتعليم والصحة والثقافة والعلم، وبالنسبة لتاريخ شعب يحيل إلى نجاح قيم التعاون والتفاني والبناء، وحين تلتقي كل تلك المبادئ والقيم، لا شك يلتقي النبض في القلوب التواقة إلى الاستمرار في معانقة التجربة، وابتكار ما يثريها، أو تقديم المبادرات التي من شأنها أن تجعلها أكثر توهجا وأكثر عنفوانا. منذ السنة الأولى من عمر اتحاد دولة الإمارات العربية، وأصحاب التجارب السابقة يترقبون، وربما يعتقدون بينهم وبين أنفسهم، أنها ستفشل مثل بقية التجارب، إلا أن هذا المولود قرر منذ لحظة الإعلان عن خروجه إلى الدنيا، ورسم خارطته وحدوده وخط طموحه، وهو يكبر في كل عام عشرة أعوام، فكان شابا في عامه الأول ويبدو الآن أكثر شبابا وهو في الأربعين، ملامحه تدل عليه، ترك أثرا على وجه الصحراء وهامات الجبال وبساتين السواحل، والأجمل أنه ترك اثرا على وجوه الناس، وسكن ملامحهم، بل أعاد ترتيب نبض قلوبهم، فصارت حياتهم شرطا لحياته، وحياته شرطا لحياتهم، حتى إذا حل عيد ميلاده، يحتفل كل فرد بعيد ميلاده كأنه يحتفل بميلاده الخاص، والأجمل أن الأجيال الصاعدة تحتفل قبل الأجيال السابقة، وتعاهد نفسها على جعل هذا (الأكثر شبابا) أن يبقى أكثر شبابا في كل عام، ليرسخ فكرة العطاء ومبدأ التفاني والتوحد والاندماج، وهنا تتحول المبادئ إلى قيم، والقيم إلى مبادئ، ضمن منظومة ولدت لتحيا وتكبر أكثر وتتطور أكثر. فكرة الاتحاد فكرة ثقافية في المقام الأول، وسلوك حضاري تسعى إلى ممارسته الشعوب المتقاربة والحكومات التي ترتبط بمصالح ومصائر واحدة منذ أن وجدت، والوحدة فكرة إبداعية ونقدية، وحدة الجملة ووحدة النص ووحدة القصيدة، وهي معيار لنجاح العمل الإبداعي وانسجامه، ولهذا، كان الشعر أكثر الفنون تعبيرا عن الفكرة، تليه اللوحة التشكيلية، ثم المسرح، لكن الرواية والقصة ظلت تسبح في ضفافه، ولهذا، فإن الفن القصصي والروائي والسردي بشكل عام، في حاجة ماسة للتحفيز، فهذه التجربة تستحق التفكير بها ثقافيا، ونحتها إبداعيا، وقد تكون هذه دعوة للمؤسسات الثقافية والإبداعية لتنظيم مسابقات ورصد جوائز في هذا النطاق، لمسايرة النضوج الذي حققته التجربة، وكان من بين تجلياته صعود الفن السردي إلى جانب الشعري في إطار التطور الثقافي والمعرفي والإبداعي، بل إن السرد أقدر، وفق تقديراتي، على رصد التجربة وإثرائها والوقوف عند مفاصلها، بسبب قالبه المفتوح، القادر على توظيف المعلومة والحدث والشخصية، فبالإضافة إلى كون الاتحاد صورة شعرية من حيث تحقيق الحلم الأبهى، فإنها فكرة روائية من حيث البناء. لهذا الشباب الذي يتألق كلما تقدم في العمر، الذي يلخّص طموحات الشباب من الخليج إلى المحيط، نوقد شعلة الفرح، آملين أن تنتقل عدواه إلى الآخرين. akhattib@yahoo.com