الآن، وهنا.. تغري هذه الثنائية كثيرين من الكتّاب. يستخدمونها ـ اختصاراً ـ بدلالاتها المكزمانية. وبهذه الدلالات، تبدو هذه الثنائية أسطع حضوراً في احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بيومها الوطني الثاني والأربعين. الآن، وهنا.. تنجز التجربة الإماراتية أبلغ دروسها، لأبنائها، ولمن يعيش في أكنافها، ولإخوانها العرب والمسلمين في ديارهم. الآن، وهنا.. ينتصب المثال الإماراتي أمام الناظرين إليه بعيون الدهشة، أو بدافع الرغبة، أو بحاسة الاكتشاف والاستفادة. الآن.. في البعد الزماني، فإن احتفال أبناء الإمارات وقيادتها، باليوم الوطني، يوم الوحدة والاتحاد، ويوم قيام الدولة الحديثة، الراعية، يأتي متفرداً في سياقاته الإقليمية، والعربية، والدولية. فالإمارات تحتفل بوحدتها الوطنية، المؤسساتية والمجتمعية، في الزمن المتداعي، للوحدات الوطنية، وما قبلها وما بعدها، على امتداد الخريطة العربية، شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً.. قضية الوحدة، في النموذج الإماراتي، هي قضية معيارية، يحتج بها ويقاس عليها. صحيح أن الوحدة، في المثال الإماراتي، هي منطلق قبل أن تكون هدفاً، لكنها خلال 42 عاماً، كانت تثبت للوطنيين المستقلين داخل مجتمعاتهم، وللوحدويين المحلّقين مع طموحاتهم، إن مسألة الوحدة ليست شعاراً تهتف به الحناجر، ولكنه امتحان يومي، تخوضه السلطة والشعب على السواء. الآن.. في البعد الزماني، تؤتي الدولة الاتحادية أكلها. لا يحتاج الأمر إلى أمثلة من واقع حياة الإمارات والإماراتيين لتأكيده. تلك مسألة سهلة. لكن مقاربة القضية من زاوية أخرى تحتاج إلى تمحيص. فالإمارات/ الدولة، هي واحدة من تجارب الدولة الوطنية التي نشأت في المنطقة العربية في أعقاب المرحلة الاستعمارية وحصول الاستقلالات. وقد تعرضت الدولة الوطنية ـ في صيغتها العربية العامة ـ لاهتزازات قاسية، على الأقل في السنوات الأخيرة. نعاها كثيرون. واستمسك بها كثيرون. روّج البعض لبدائل لها، وذهب آخرون إلى القول بأنها آخر صيغ العقد الاجتماعي العربي الممكنة، للمرحلة المقبلة على الأقل. في المقابل، تؤكد الإمارات امتلاكها لمعطيات نجاح الدولة الوطنية، في أسس تكوينها، وفي راهن تجربتها، وفي غايات مستقبلها. تقول الإمارات إن المشكلة لا تكمن في خيار الدولة الوطنية نفسها، وإنما في اختيارات القائمين عليها، حكاماً ومحكومين. أما هنا.. في البعد المكاني، فإن للجغرافيا دلالاتها ومعاييرها، بتوافر الشرط الإنساني لتفعيلها. فالجغرافيا المحضة، هي وقائع صماء. هي أطوال الحدود، وخصائص الجيولوجيا وثروات الطبيعة، وأحوال المناخ فحسب. بالشرط الإنساني، تصبح الجغرافيا كياناً نابضاً أو فلنقل كائناً حيّاً. وفي الجغرافيا الإماراتية كان الإنسان، وما زال، هو العنصر الحاسم منذ أن كان الإنسان ومنذ أن كانت الأرض، أو بمعنى آخر منذ أن غرس الأسلاف الوتد الأول في الخيمة الأولى، إلى أن رفع الأخلاف آخر سارية على أحدث برج. هنا.. في البعد المكاني، لم تكن الإمارات أبداً محصلة لطفرة نفطية وهبها الله لهذه الربوع، واكتشفها أهلوها قبل بضعة عقود. هي قبل ذلك، بزمن سحيق، إرث أجيال من أهل الصحراء، بعاداتهم وأخلاقهم ومعاناتهم ودأبهم وإرادتهم بالعيش الكريم. وهي إرث جموع من البحارة الذين ركبوا الأهوال، وتحدوا الأخطار، وبحثوا في أعمق الأعماق عن دانات يعالجون بها شظف العيش.. هؤلاء البشر، في هذه الأرض، هم المدماك الأول الذي نهض عليه هذا الصرح.. هم كلمة السر المعروفة في ذلك المدى الممتد من الأفلاج إلى الأبراج.. هم الذين صاغوا لهذا المكان عبقريته، والتي ما كانت لتظهر للعالم أجمع لولا همة رجل واحد.. رجل في أمة.. جمع وأسس وبنى.. كان اسمه زايد.. adelk58@hotmail.com