قبل سنوات، كان الإعلان عن قرب افتتاح معرض التوظيف يعني استعدادا نفسيا قويا لدى الباحثين عن وظائف للانخراط في سوق العمل، مجرد أن يكون هناك معرض توظيف يعني قرب الالتحاق بوظيفة، واقتراب كل الاستقرار المادي والاجتماعي مع اقتراب هذه الوظيفة، وضمانة بمجرد التوقيع على عقد العمل. هذا "الكلام" كان قبل سنوات، قبل أن يدخل معرض التوظيف سباق الدعايات والإعلانات، وتصبح أكشاكه المختلفة منصات لتوزيع الأقلام والحلوى والأكياس الفاخرة على الباحثين عن عمل، ويصير التجول فيه مجرد "تغيير روتين" وتنزه للتعرف على موظفي العلاقات العامة والإعلان عن افتتاح أقسام التوطين في الشركات والهيئات. أكثر عن 500 وظيفة أعلنتها البنوك في معرض التوظيف، لكن كل هذه الوظائف مخصصة لمن يحمل شهادات في المحاسبة فقط، ورواتب أغلبها متدنية قياسا إلى وظائف القطاعات الحكومية والمحلية، كما أنها غير متوفرة إلا في إمارات معينة من الدولة. وفيما يؤم معرض التوظيف آلاف الباحثين عن عمل كل يوم، لا يمكن الاعتداد أبدا بـ500 وظيفة تطرحها البنوك ولا 1000 وظيفة كلها لموظفي الاستقبال والبدالات، بينما يبحث الناس عن وظائف تغير حياتهم بالكامل. مفهوم معرض التوظيف لدينا يرتكز على استعراض اسم الشركة وليس بحثا عن موظفين أكفاء، مجرد أن يطلب من الباحثين عن الوظائف أن يدخلوا إلى مواقع الشركات ويقدموا طلباتهم مع تحديدهم بوقت معين لا يزيد على أسبوع، يعني أن هذه الشركات لا ترغب فعلا بتوظيف موظفين، لكنها ترغب بأن تثبت للجهات المسؤولة عن التوطين أنها تقوم بجهود فعلية في هذا المجال. يتشابه هذا الأمر تماما مع طريقة قديمة تعمل بها بعض الجهات، بأن يتم الإعلان عن وظيفة شاغرة في الصحف، وبعدها يتم استلام طلبات التوظيف ورميها لأن الوظيفة الشاغرة تم شغلها منذ اللحظة الأولى، لكن الإعلان ليس إلا "إبراء ذمة" أمام أي جهة رقابية قد تسأل لمَ تم تعيين هذا الشخص؟ في معرض التوظيف، كانت أحلام الباحثين عن عمل كبيرة، لكن طريقة تعاطي بعض الجهات المعلنة أثارت إحباطهم، وفيما عدا الجهات الحكومية المسؤولة كان غالبية العارضين مجرد "مستعرضين" لقدرات مؤسساتهم وبالطبع لم يدرأوا جهدا في إرسال البيانات الصحفية لوسائل الإعلام، فالمعرض فرصة إعلان مجانية يحسنون استغلالها جيدا. معارض التوظيف في كل أنحاء العالم، هي فرصة الكفاء لتغيير أماكن عملهم، وفرصة الشركات والجهات للحصول على نخبة الموظفين، وفرصة الباحثين عن أعمال بأن يعثروا على عمل مناسب، ويفترض أن يكون هذا الأمر في قاعة المعرض نفسها وليس عن طريق موقع إلكتروني أو تحويله إلى جهة مسؤولة عن التوطين ليحصل عبرها على عمل. كل عام ننتظر أن يكون معرض التوظيف أفضل وأجدر بالزيارة، لكن خيبتنا منه هذا العام هي نفس خيبة العام الماضي، تنظيم رائع، تصاميم مبهرة لكن بلا وظائف. فتحية البلوشي