سبق لنا أن قدّمنا معجم الآداب الهنديّة، وكنّا أثنينا عليه ثناءً عطراً، ويسرّنا اليوم أن نقدّم معجماً ثانياً هو: “معجم الأدب الصينيّ” الذي يقع في أكثرَ من خمسِمائةِ صفحةٍ من القطع الكبير والحرف المتوسطِ الحجمِ. وهو منقول في أصله عن اللّغة الفرنسيّة. وقد ألّفه أندري ليفي (André Lévy) بعنوان: Dictionnaire de littérature chinoise. وربما كانت دقّة الترجمة الفرنسيّة تقتضي أن يكون العنوان: “معجم الأدب والأدباء في الصين”، لأنّ الكتاب لا يتحدّث عن الأجناس والقضايا الأدبيّة وحدَها، ولكنّه يترجم أيضاً للأدباء الصينيّين في كلّ العصور. وقد صدر هذا العمل الجليل عن مشروع (كلمة)، والمؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، وقد ترجمه إلى العربيّة الدكتور محمد حمود. وواضح أنّ جهد الترجمة فيه بادٍ، كما أنّ جهد الترتيب حسَب الأبجديّة العربيّة وجْهٌ آخرُ من المعاناة العضَليّة والفكريّة جميعاً، فيه. ولعلّ من المفيد أن ننقل فقرة صغيرة من أوّل مادّة في هذا الكتاب للقارئ ليعرفَ شيئاً عن هذا العمل الكبير، وأوّل مادّة فيه تتناول الكاتب الصينيّ المعاصر آ. شنغ المولود في عام 1949. وكان هذا الكاتب القاصّ أوّل أمره رسّاماً ومصوّراً، ويبدو أنّه استهوتْه الكتابة فنقَل اهتمام عبقريّته الفنّيّة من الرسم إلى الكتابة، وهما مجالان متقاربان، فكلّ مجال إبداعيّ هو قريبٌ من مجال إبداعيّ آخر يماثله. وأوّل قصّة ظهرت له كانت بعنوان: “ملِك الشِّطْرَنْج”، وظهرت عامَ 1984، فجذبت إليها “انتباه الأسماء اللامعة في الأدب الصينيّ فور صدورها، [وقد] عرفت شهرة واسعة تجاوزت حدود الصين إلى ما هو أبعد. ينسج آ. شنغ حبكة مثيرة، موضوعاتها الرئيسة هي الذاكرة الثقافيّة، غربة الشباب المتعلّم الذي يُرسل إلى الريف، البحث عن الطعام، مذاق القمار”. ولعلّ القارئ يستخلص من هذه السطور من نصّ الترجمة أنّ الكاتب لا يستعمل حروف العطف، ولا واو الاستئناف التي هي مِلْح الأسلوب العربيّ، وإنّما يحمل القارئ على التعوُّد على مطالِعِ جُمَلٍ كأنّها غير مرتبطةٍ بما قبلها... غير أنّ مثل هذا الأمر ما كان له ليحول دون الإفادة من هذا العمل الأدبيّ والثقافيّ والحضاريّ جميعاً، ذلك بأنّ المؤلّف الأصليّ لهذا الكتاب، وهو أندري ليفي، لم يقصِرْ جهده على الترجمة الموسوعيّة للقصّة والرواية والشعر فقط، ولكنه كان يجاوز ذلك إلى الحديث عن قضايا ثقافيّة في عبقريّة الإبداع الصينيّ عبر العصور المختلفة. وهذه هي الفائدة الكبيرة لهذا الكتاب الذي قد يكون مفتاحاً أو بوّابةً لمعرفة الحياة الثقافيّة والأدبيّة في جميع العصور، ولا سيّما في القرون الأخيرة. إنّا إذا استثنينا بعض الهنات اللغويّة والنحويّة البسيطة، فإنّ هذا الكتاب جليل الفائدة، عظيم الغَنَاء، كثير النفع للقارئ الذي يريد أن يوسّع معارفه، ويُثْريَ ثقافته، من أجل ذلك ننصحُ له باقتنائه للإفادة منه والاستمتاع به.