في طفولتي كان أغلب رجال الفريج، يخرجون بعد قيلولة الظهر لغسل سياراتهم الواقفة أمام الباب، أو لري مزروعاتهم التي تحيط بسور المنزل، كان وقتاً خاصاً بالرجال وبأنابيب المياه الضخمة التي كانوا يرشون بها السيارات، ويغسلون بها "الدجّة" أو الكرسي الذي يضعونه أمام بوابة المنزل، ويرشون بها الماء أمام البيت لترطيب الأرض وزيادة تماسكها. هذا الهدر اليومي من المياه كان طقساً معتاداً لأغلب البيوت في مرحلة الثمانينيات، وفي التسعينيات من القرن الماضي تحولت الفرجان الشعبية إلى مناطق أوسع وبدأ منظر "شوارع القار" وهي تخترق السكيك بين البيوت، يعيد ترسيم الفريج ليصبح أكثر حضارة من كثبان الرمل و"الكنكري" التي كان عليها سابقاً. مع ذاك التغيير في نمط الحياة، برز الوعي الخاص بأهمية المياه وعدم إهدارها، ولا ننسى أن ظهور مغاسل السيارات الخاصة جعل أغلب الناس يتجهون لغسل سياراتهم فيها وصار من النادر أن نجد شخصا يغسل سيارته أمام منزله. لكن الهدر في كمية المياه لم يتغير، بل تغيرت الكثير من السلوكيات الحياتية التي جعلت المياه تهدر أكثر في بيوتنا. ويمكن أن نقول إن نمط الحياة في الإمارات يجعلنا أكثر استهلاكا للمياه، فهناك أناس لا يمكن أن يكتفوا بالاستحمام مرة واحدة يوميا، بل إنني أعرف أن هناك من يستحم ثلاث مرات كل يوم! وهو أمر يسبب بالتأكيد هدرا جبارا في المياه، هناك أيضا من لا يعيد إصلاح الأنابيب المكسورة أو تلك التي "تليك" ويتسرب منها الماء، وآخرون يصممون على غسل جدران البيت كله أو "الحوش" على اتساعه مرتين كل أسبوع مدفوعين بهوس النظافة، متناسين أن هدر المياه ليس من سلوك الإسلام. قبل فترة صدرت إحصائية عن معرض الشرق الأوسط للمياه والكهرباء، تؤكد أن نصيب استهلاك الفرد في أبوظبي يقدر بنحو 82 جالونا يوميا، ويعد الأعلى عالميا، متقدما على نصيب استهلاك الفرد في الولايات المتحدة والذي يبلغ 72 جالون مياه يوميا، وسنغافورة 52 جالون مياه يوميا. هذا الارتفاع الكبير في الهدر المائي ليس بسبب سوء الاستهلاك الفردي فقط، بل إن أغلبه ناتج عن حوادث الشبكات التي تصل إلى 40 حادثا سنويا، بسبب عدم التزام المقاولين والمطورين العقاريين بالعمل وفق الخرائط. الحديث عن هدر المياه سببه إعلان كهرباء ومياه أبوظبي عن فواتير جديدة للمستهلكين، ربما يعقبها تغيير في الرسوم، وهو الأمر الذي تحاول عن طريقه الجهات المعنية ضبط استهلاك المياه في الإمارة، ونشر المزيد من الوعي بين السكان مواطنين كانوا أو مقيمين لضبط استهلاكهم من المياه ومحاولة المساعدة في وقف هذا الهدر القوي. أعتقد أن على الجهات المعنية توجيه المزيد من الحملات للبيوت، ومحاولة نشر ثقافة الحفاظ على المياه بين الصغار تحديدا، لأنهم سيعيدون بوعيهم رسم المستقبل، ويحافظون على المياه من الهدر.