تستقر حواس الفنان داخل رمال الصحراء، فيشم رائحة العود المنطلقة من بين الذرات المتناثرة، يلتقط الأوراق المتساقطة من شجرة الحميض، يضعها على خده ويكرر عملية الشم، الرائحة نفسها المتصاعدة من الذاكرة، الأشخاص نفسهم الذين ضحكوا وتبادلوا الأحاديث الودية، إن الصحراء تعني للفن الحرية والمتعة البصرية والحسية. يلتقط الفنان عبر الأعمال التوثيقية صوراً لحركة تراقص الأمواج، متناسياً أهمية نقل رسالة الصحراء عبر الرائحة المتصاعدة من الأخشاب المتناثرة، والأوراق الجافة، فلا بد من التعرف إلى رائحة الصحراء، ومن ثم دمج رائحة الصحراء مع رائحة الفن، لتتشكل عاصفة من الروائح التي تنعش ذاكرة المشاهد، وتحرك فيه مشاعر الحنين للصحراء الأم. مشهد لقاء الفنان مع الأخشاب، يصعب تحقيقه من غير رائحة الصحراء، عبر الرائحة يتمكن الفنان من تحريك مشاعره وفكره نحو الصحراء، فيتوقف عن تلطيخ الرمال بالنفايات، ويبدأ بالتفكير نحو المشكلة التي تمنع نبتة الحميض من النمو، فلقد خلق الفن من أجل استمرار البشرية، وهذا الاستمرار لا يتحقق إلا عبر الوسط المحيط، بحيث يكون وسطاً ملائماً للحياة. يعد الوسط المحيط والمتمثل في البيئة عاملاً مهماً لفكر ومدركات الفن، من خلال تفاعل مباشر، يتمركز حول مجسات خارجية تتمثل في الحواس الخارجية، أهمها حاسة الشم، فهي قادرة على جعل الذات البشرية في حالة من الإثارة والمتعة، والرائحة تمثل نموذجاً فريداً للانتماء إلى الطبيعة الصحراوية، ومنها يتمكن الفرد من التعرف إلى طبيعته الداخلية، وهي خطوة أولى لتفاعل البشر مع بعضهم، فإن غياب المشاهد عن الساحة الفنية، ناتج من غياب المنتج الفني المتصاعدة منه روائح الطبيعة عن بصيرة المشاهد، فلا بد للفنان من العودة لمصدر الإلهام لتجميع أصدق رائحة تصدر من الأخشاب، الأوراق أو حتى عظام محنطة بين ذرات الرمال الذهبية. الانتماء للفن لا يكون بشكل مباشر بين الفرد والفن، بل لا بد من الانتماء للذات عبر الطبيعة، ومن ثم إلى الفن، الانكسار الناتج من انتقال المشاهد من وسط الذات إلى وسط الفن، يمكن تحويله إلى مجرى الانعكاس الكلي الداخلي، بعد انحراف المشاهد نحو الطبيعة بزاوية حرجة، تتمثل بالرائحة الصحراوية، فتنعكس أفكار المشاهد انعكاسات عدة، يتم خلالها التفاعل مع المنتج الفني بشكل مباشر وممتع، بذلك تتشكل الثقافة، نتيجة لهذه الانعكاسات الداخلية، فالثقافة وليدة البيئة والفرد، وهي تتكيف وفقاً للظروف التي ينتقل عبرها فكر الفنان والمشاهد، فإن لم يصل الفنان إلى منتج فني يضع المشاهد في الزاوية الحرجة، فإن الانكسار هو المصير الذي يؤول إليه فكر المشاهد، فتحدث الفجوة ويمتنع المشاهد عن ساحات العرض، لا بد للفنان من التعمق في إخراج المنتج الفني، ويكون ذلك عبر التعمق في إدراك الأشياء والأحداث التي تحيط به وتواجهه في حياته. لا بد للفنان من أن يخاطب الصحراء، ويستمتع بعملية الشم، حتى يحقق الرسالة التي تبثها لنا الصحراء عبر الفن، فالرائحة عنصر فعال في تحريك الذات البشرية، فلا بد للفن من استغلالها. هدى سعيد سيف | science_97@yahoo.com