أصرت أم خالد على دعوتي لمشاهدة برنامج يروج لمنظومة مدمرة تحث الشباب على الغناء والغباء في آنٍ واحد، تساءلت عن ماذا حدث لنا؟ جاء الرد سهلاً سريعاً: لقد كان للتيلفزيون والراديو دور عظيم في طفولتنا فبعد المغرب وقبل العشاء كنا نجلس أمامه لمشاهدة برامج هادفة استسقينا منها الكثير من المعارف. وأذكر برنامج “أوائل الطلبة” الذي كان يقدمه الأستاذ المرحوم إبراهيم علان وهو عبارة عن مسابقات بين أوائل طلبة المرحلة الثانوية الذي ثقف جيلاً من متلقي العلم سيما الطلبة غير الحاسدين لأولئك المتفوقين وكنت واحدة منهم. وبرنامج “سين جيم” لمُقَدِمِهِ الأستاذ المرحوم شريف العلمي الذي كان حريصاً ودقيقاً في تحريه عن المعلومة قبل طرحها. ونشأنا مستمعين مستمتعين بصوت العرب وإذاعة الهيئة البريطانية وراديو الكويت فسمعنا التحاليل الإخبارية وترسخت في أذهاننا صور باهتة ولكنها مهمة في فترة صُنِع فيها التاريخ. والآن نقف مكتوفي الأيدي ويجرفنا تيار أغرق الأبناء وغَيَبَ وعيهم حتى أصبح بعضهم لا يعرف الرنة التقليدية للهاتف، ولا كيف يربط خيوط حذائه عندما لا تكون من “الفيلكرو”، أو كيف “يبلح” السمك فيطلب فيليه أو لا يأكل السمك مطلقاً ولا يشعر بالخجل والإحراج من ذلك، ويقوم البعض الآخر بتدمير اللهجة المحلية فيقول للتحية “هاه، شوه مسوي” ويقصد بذلك “شحالك وشحال عربك” أي ناسك، وبعضهم لا يحفظ الأمثال ولا يعرف دلالاتها والشعر الذي يعتبره العرب والإماراتيون سلطان الفصاحة لا يذكر منه سوى الزهيد. فقلت: اللهم باسمك أموت وأحيا. وخلدت للنوم وفكري منطوي حول مستقبل الشباب. وعندما أصبحنا وأصبح الملك لله، كنت اُقَلِبُ مؤشر المذياع حتى توقف تلقائياً على نبرات صوت “عميد المستمعين” بوعايدة الذي جاء بآراءٍ ثرية حول محور موضوع ذلك الصباح الذي كان عن كلام الناس؛ فتذكرت والداي رحمهما الله وأمي توصينا دوماً: “لا تسمعون رمسة الناس في حد ولا يخصكم ترمسون عن حد وتذكروا أن اللي ييب لكم رمسة يودي عنكم رمسات، وإن رمسوا عنكم وانتوا على حق قولوا لهم وشّْ على السحاب من نبح الكلاب!”. فقلنا إن شاء الله. فنشأنا بعيدين عن خصوصيات البشر والسموم التي قد تلحقنا من المشاركة في تناقل تلك الخصوصيات ورحمنا الله لاحقاً بالتوت الأسود والضرس الأزرق والرسائل النصية والمتعددة الوسائط، التي أسهمت في الترويج لتجارة القيل والقال بطرقٍ حديثة تساير متطلبات العصر والمغرب. وتساءلت لماذا يتعلق البعض ويتشربصون بمبادئ تدميرية كتسريب المعلومات والترويج للإشاعات ووضعها في كمائن ومصائد وحتى في المعجنات التي تدور بين المكاتب في مناسبات لها سبب وتلك المُختَلقة. لقد غيرت وسائل الإعلام مفاهيم المجتمع وتحدت جذور الأشجار وآن لنا جميعاً أن نتفاهم مع أنفسنا ونثقف عقولنا بعيداً عن ما تجلبه بعض الشاشات خاصة وأن التلفاز ضحى بوزنه لمشاهديه من زوار نيوترشن وربعه. وللعارفين أقول، كأنني سمعت شاعرا يقول: “عصر الترف فيه الشراغات لكن راحة البال ماتييك”. bilkhair@hotmail.com