ما أكثر الحديث عن القصيد هذه الأيام، وما أكثر الشعراء، الذين يفوقون عدد لاعبي كرة القدم والسلة والطائرة وجميع الألعاب الأخرى. وكأن وباء أصاب البعض حتى بات الشعر والشعراء في مباراة وجلبة كبيرة ليس لها نهاية، وللأسف أن أكثر ما يذاع وينشر من قصيد لا يتحدث غير عن الذات والحب والمرأة والغزل، ينجح القليل والكثير زبد فوق الماء أو غبار في صحراء الربع الخالي، نادرة جداً جواهر الشعر وكثيرة جداً القصائد الذاتية والخاصة بحالات الشاعر وحده، بل زاد عليها غياب البيئة المحلية أو الشعر الذي يعبر عن صدق القصيدة، حيث خرجت علينا أفواج من شعراء المديح والتزلف أو تمجيد الذات وتورمها، فهذا شاعر يصنع من ذاته عنترة بن شداد وذاك فارس البراري والغفار وآخر لا يعبر عن بيئته أو محيطه الطبيعي، والبعض الذي يستعبد من الآخرين مفرداتهم وأساليبهم وطرقهم العنترية وعلى الخصوص الشباب منهم الذي تخاله عند الاستماع إلى قصيدة بأن بينه وبين مفردات محيطه وبيئته الخاصة خصومة بعيدة، حتى يبادرك الشك بأن هذه القصيدة لا تنتمي إلى الشاعر ومحيطها ومفردات ناسها، فالشاعر الإماراتي يقول قصيدته بالطريقة النجدية وبلهجة لا تصدق أن لها ارتباطاً بالإمارات ولهجة أهلها والآخر البحريني أو العماني لا تجد في قصيدته شيئاً من بيئته، إنها حلبة ضاعت فيها خصوصية وتاريخ القصيدة لكل بيئة، هذا في الشعر الشعبي والنبطي، أما الشعر الفصيح فإن النادر منه هو المحافظ على فن وقوة القصيدة العربية، والشعراء أصحاب هذا الاتجاه لا ينالون الرعاية أو الاهتمام اللذين ينالهما الشعر الشعبي أو النبطي، الذي تفوق برامجه الإذاعية والتلفزيونية كافة البرامج الأخرى. لقد أصبحت العودة إلى جمالية النص الشعري العذب والمبدع استراحة حقيقية من هذا الضجيج وهذا الصراخ والنفح في الذات، بالأمس قرأت قصيدة هي درة الشعر العربي وهي بلسم كل ما قاله العرب، قصيدة تهدي النفس إلى الطريق الذي يشعرك بعظمة القصيدة والحكمة والموعظة وهي للإمام علي بن أبي طالب «رضي الله عنه»، حيث يقول: أصبر على حلو الزمان ومره واعلم بأن الله بالغ أمره لا تستغب فتستغاب وربما من قال شيئاً قيل فيه مثله وتجنب الفحشاء لا تنطق بها مادمت في جد الكلام وهزله وإذا الصديق أسى عليك بجهله فأصفح لأجل الود ليس لأجله كم عالم متفضل قد سبه من لا يساوي غرزة في فعله البحر تعلو فوقه جيف الغلا والدر مطمور بأسفل رمله كلهم شعراء وكلها قصائد ولكن فرق كبير بين الدرر والحصا. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com