يتعرف العاشق متأخرا الى الحب ويحاول ان يصفه بكلمات تبدو غامضة حيث تتلعثم الحروف ويرتبك القلب. عندها يلجأ العاشق الى الكتابة لعلها تسعف في تقريب المعنى لمن يحبها ويراها من بعيد لكنها لا تفهم ما يريد قوله.
في اليوم الأول كتب العاشق كلمة (احبك) على الماء وهو يسبح خفيفا على ساحل النجاة وتمنى ان ترى حبيبته هذه الكلمة. لكن الكلمة زالت واختفت بسرعة. عندها أدرك ان الخلود لمجرد لحظات هو صفة لأشياء كثيرة. كل شيء قابل للزوال حتى المشاعر التي تدوم للحظة ثم تختفي والعاشق الحقيقي هو الذي تكون مشاعره وكلماته أبدية خالصة لا تزول ولا يعتريها ضمور.
في اليوم الثاني وقبل مرور حبيبته بساعات كتب العاشق كلمة (احبك) على رمل الشاطئ وظل ينتظر الى أن جاءت الموجة ومحت كل أثر في طريقها وعادت مرة اخرى الى البحر. والحبيبة التي كانت تمر وقت العصر لم تجد على الرمل سوى آثار خطوتها التائهة تتبعها للحظات ثم تختفي هي الأخرى. عندها قررت العاشقة ان ترحل بعيدا بحثا عن الشخص الذي يعرف كيفية التعبير عن الحب بكلمات ومشاعر أكثر وضوحا وبلغة لا يشوبها الزوال ولا يعتريها التغيير.
في اليوم الثالث ركض العاشق المرتبك في دروب المعرفة وأدرك ان العشق ارتقاء وقفز في سماء الوعود الصادقة. وهو اختيار وقرار وكلمة أبدية يجب ان يظل صداها يتردد في الأكوان مهما تناسلت السنين, لذلك ارتقى العاشق على صخرة في الطريق ونحت بحروف كبيرة كلمة (احبك) وظل جالسا قرب هذه الصخرة سنوات طويلة منتظرا مرور حبيبته التي انطوت في صفحات الغياب ولم تعد تعبر او تمر في ذاك الطريق. وما اراده العاشق هو التعبير للمرة الأخيرة عن الصدق في قلبه. لكن الآخر قد لا يفهم احيانا اللغة التي منبعها القلب.
بعد خمسين سنة من تلك الحادثة عادت المعشوقة مكسورة ومهملة ورثة. تمشي منحنية الظهر في طريق العودة الى الجذور بحثا عن حقيقة الحب الذي ضاع في التشتت وعدم الفهم، وعندما رآها العاشق تنحى قليلا كي ترى كلمة (احبك) منحوتة قرب اسمها على صخرة المصير. ولم يدرك هذا العاشق المسكين ان السنين الطويلة المصحوبة بالرياح والمطر محت وأزالت أيضا ذلك الأثر من تلك الصخرة ولم يبق على السطح سوى خربشات طمستها الأيام وملامح لاسم غير واضح المعالم. والمعشوقة عندما حدقت طويلا في تلك الصخرة لم تتعرف على اسمها المطوي في النسيان.
العاشق الأبدي لم يستسلم لفكرة زوال الأشياء والكلمات مهما طال الزمن. ورحل هائما يردد كلمة (احبك) في صمت وكأنها بقية النبض في قلبه.

عادل خزام akhozam@yahoo.com