أتعجب عندما نجلس مع أشخاص يمتازون بالنفاق المقرف، فيضحكون ويتوددون لك عكس ما يبطنون، وأزداد عجباً عندما يتمثلون لنا أشخاصاً آخرين غير الذين نعرفهم، فهل هو جهل وخطأ منا أم أنه مرض وداء خلقي نخر بصاحبه قبل أن ينخر بمن حوله؟!. أنا لا أتحدث هنا عن ظاهرة قد تصادفني أو تصادفكم يوماً من الأيام بقدر ما أنني أقصد من خلال عمودي هذا الأسبوع تسليط الضوء على هذا المرض وتعريفه. فقد اختلف علماء اللغة في أصل الكلمة، فقيل إن الكلمة نسبة إلى النفق، وهو السرب في الأرض، لأن المنافق يستر كفره ويغيبه، فتشبه بالذي يدخل النفق يستتر فيه؛ وأما في الاصطلاح الشرعي فهو إظهار القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد، أو هو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه. فالمنافق بداخله إنسان جبان، لأنه لا يستطيع الظهور على حقيقته، ويتخفى وراء شعارات عكس التي تعتريه، ولا تقف مساوئ المنافق عند التخفي بعباءة سوداء بقدر ما أنها فتنة توقع الناس بين بعضها بعضاً، ومن أمثلة ذلك رأس المنافقين (عبد الله بن أبي بن سلول) في غزوة بني المصطلق حينما لطم شاب من المهاجرين شاباً من الأنصار، فاستغل ابن سلول الحادثة للإيقاع بين المهاجرين والأنصار، فقال لمن حوله: والله ما مثلنا يا معشر الأنصار من المهاجرين إلا كمثل من قال: سمن كلبك يأكلك؛ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وأنتم يا معشر الأنصار، لو أمسكتم عنهم فضل الطعام لتحولوا من عندكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد صلى الله عليه وسلم، فسمع ذلك زيد بن الأرقم، وهو أنصاري من الخزرج، فأخذته الدهشة من أن يقول هذا مسلم، وكان أمر ابن سلول لا يزال مجهولاً. فلما رجع الجيش إلى المدينة أبلغ زيد بن الأرقم عمه مقالة ابن سلول فأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا زيدا، وسمع منه ما قاله ابن سلول، فطلب صلى الله عليه وسلم ابن سلول فجاءه هو وقوم من أصحابه، فأخبره بما قال زيد فأقسموا ما حدث من ذلك شيء فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول زيد: فذهبت إلى بيتي ولم أستطع الخروج منه مخافة أن يراني الناس. فيقولوا: هذا هو الكذاب، ولم ألبث طويلاً حتى أرسل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: (يا زيد أن الله قد صدقك). وتلا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سورة «المنافقون». ويقول الشعراء في النفاق أمســى النفــاق دروعاً يســتجن بها عن الأذى ويقــوي ســردها الحلــف Maary191@hotmail.com