مع انتشار وسائل التواصل والاتصال، أخذ التطفل أشكالاً حديثة ومبتكرة، وبات الناس مكشوفين مع الفيس بوك والتويتر و..... بإرادتهم أحياناً وبغير إرادتهم أحياناً، وباتت تلك الوسائل نعمة ونقمة، فالمتطفلون المتفرغون لكل صغيرة وكبيرة يترصدونك في كل حركة وسكنة، ورحم الله أيام التطفل الغابرة ورحم الله أشعب وإخوانه الساذجين الذين لو قدر لهم أن يروا أساليب التطفل الحديثة لأصابتهم الدهشة على أقل تقدير.. مع انشغال الناس اليوم بأعمالهم وشغلهم لا يعدمون الوسيلة في اقتناص أي فرصة للتطفل والتدخل في شؤون الآخرين بأشكال مبتكرة إلكترونية ومباشرة لحظة بلحظة. قيل المثل «الحزم حفظ ما وليت، وترك ما كفيت» وهو لأكثم بن صيفي، يحث به على ترك ما لا يعني مع المحافظة على ما يعني. وقال أبو هلال رحمه الله: ولا أعرف شيئاً أشد على الأحمق من تركه ما لا يعنيه واشتغاله بما يعنيه، على أن فيما يعني شغلاً عما لا يعني. قال أبو هلال: عن الشعبي: قدم علينا الأحنف بن قيس مع مصعب بن الزبير، فما رأيت شيئاً يستقبح إلا وقد رأيت في وجه الأحنف منه شبهاً، كان أصلع الرأس، أحجن الأنف، أغضف الأذن باخق العين، ناتئ الوجنة، مائل الشدق، متراكب الأسنان، خفيف العارضين، أحنف الرجل، ولكنه إذا تكلم جلى عن نفسه. فأقبل يفاخرنا ذات يوم بالبصرة، ونفاخره بالكوفة، فقلنا: الكوفة أعلى وأفسح، فقال له رجل: والله ما أشبه الكوفة إلا بشابة صبيحة الوجه، كريمة النسب، لا مال لها، فإذا ذكرت وذكر حاجتها كف عنها، وما أشبه البصرة إلا بعجوز ذات عوارض مؤشرة موسرة، فإذا ذكرت فذكر يسارها رغب فيها، فقال الأحنف: أما البصرة فأسفلها قصب، وأوسطها خشب، وأعلاها رطب؛ نحن أكثر عاجاً وساجاً وديباجاً، وبرذوناً هملاجاً، وجارية مغناجاً؛ والله ما أتى البصرة أحد إلا طائعاً، ولا خرج منها إلا كارهاً يجر جراً. فقام شاب من بكر بن وائل فقال للأحنف: يا أبا بحر، بم بلغت في الناس ما بلغت؟ فوالله ما أنت بأجملهم، ولا بأشرفهم، ولا بأشجعهم! قال: يا بن أخي، بخلاف ما أنت فيه، قال: وما ما أنا فيه؟ قال: بتركي ما لا يعنيني من أمرك إذ شغلت بما لا يعنيك من أمري. قال عبيد بن أيوب العنبري: ولا نعتــــرض للأمر تكفـى شــؤونه ولا تنصحـن إلا لمــن هو قابله فإني وبغضي الإنسَ من بعـدِ حبهـا وصبري عمَّن كنتُ ما إن أزايلهْ لكالصقــرِ جلى بعدمــا صــادَ قنيةً قديـراً ومشــوياً تــرفُّ خرادلهْ أهابــــــوا به فازداد بعــداً وصــدّه عن القرب منهم ضوءُ بَرْقٍ ووابلهْ أزاهــــدةٌ فــيَّ الأخــــــلاءُ أن رأت فتى مطرداً قـد أسـلمتهُ تبائلهْ وقد تزهدُ الفتيانُ في السيفِ لم يكن كهاماً ولم تعمل بغشٍ صياقلهْ! إسماعيل ديب