قيل للرشيد: إنّ عبدالملك يعدّ كلامه ويفكّر فيه، فلذلك بانت بلاغته، فأنكر الرشيد ذلك وقال: بل هو طبعٌ فيه. ثم أمسكَ حتى جلس يوماً ودخل عبدالملك، فقال للفضل بن الربيع: إذا قرب من سريري فقل له: ولد لأمير المؤمنين هذه الليلة ابنٌ ومات ابن. ففعل الفضل ذلك. قال: فدنا عبدالملك فقال: يا أمير المؤمنين، سرّك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرّك، وجعلها واحدةً بواحدة: ثواب الشاكر، وأجر الصابر. فلمّا خرج قال الرشيد: هذا الذي زعموا أنه يتصنّع للكلام؟ ما رأى الناس أطبع من عبد الملك في الفصاحة. قال إسحاق الموصليّ : عاتب عبد الملك يحيى بن خالد على شيء، فقال له يحيى: أعيذك بالله أن تركب مطيّة الحقد فقال عبد الملك: إن كان الحقد عندك بقاء الخير والشرّ لأهلهما إنّهما عندي لباقيان. فلما ولّى قال يحيى: هذا رجل قريش احتجَّ للحقد حتّى حسّنه لي فأذهبَ سماجته من عيني! وسأله الرشيد وبحضرته سليمان بن أبي جعفر، وعيسى بن جعفر، فقال له: كيف أرض كذا؟ قال: مسافي ريح، ومنابت شيح. قال: فأرض كذا؟ قال: هضابٌ حمر، وآثارٌ عفر. حتّى أتى على جميع ما أراد، فقال عيسى لسليمان: والله ما ينبغي أن نرضى لأنفسنا بالدّون من الكلام. وقال يعقوب بن جعفر: لما دخل الرشيد منبج قال لعبد الملك: أهذا البلد منزلك؟ قال: هو لك ولي بك. قال: كيف بناؤك به؟ قال: دون منازل أهلي وفوق منازل غيرهم. قال: فكيف صفة مدينتك هذه؟ قال: عذبة الماء، طيّبة الهواء قليلة الأدواء: قال: كيف ليلها؟ قال سحرٌ كله. قال: صدقت، إنّها لطيّبة. قال: لك طابت، وبك كملت، وأين بها عن الطّيب وهي تربة حمراء، وسنبلة سمراء، وشجرة خضراء، فياف فيح، بين قيصوم وشيح. فقال الرشيد لجعفر بن يحيى: هذا الكلام أحسن من الدرّ المنظوم. سرق قوله في صفة الليل سحرٌ كلُّه، أبو تمام فقال: أَيّامنا مصقولةٌ أعراضها بكَ والليالي كلُّها أسحار وسرقه ابن الروميّ فقال: كانت لياليه كلُّها سحراً وكان أيّامُهنّ كالبُكرِ وأخذه عبد الله بن المعتز فقال: يا ربّ ليل سحرٌ كلُّه مفتضحُ البدل عليلُ النسيم أبو تمام: تحمَّلَ عنــــه الصبرُ يومَ تحمَّلـوا وعادَتْ صباهُ في الصبّا وهي شمألُ بيَوْمٍ كَطُولِ الدَّهْرِ في عَرْضِ مِثلِهِ ووجديَ منْ هذا وهذاكَ أطـــــولُ تولوا فولَّتْ لوعتي تحشد الأسى عليَّ وجَـــاءَتْ عَبْرَتي وَهْـــيَ تَهْمُلُ بذلتُ لهم مكنونَ دمعي،فإنْ ونى فَشَـــوْقِي على أَلاَّ يَجـــــفَّ مُوَكَّلُ ألا بَكَرَتْ مَعْذُورَة ً حينَ تَعْــــذُلُ تعرفُنِي مِ الْعِيش ما لَسْتُ أَجْهَلُ أَأتبَعُ ضَنْكَ الأَمْرِ، والأَمْرُ مُدْبــــِر وأَدْفَعُ في صَدْرِ الغِنَى وَهْوَ مُقْبِلُ