في زمن تغلب عليه المادة، وتغيب فيه كثير من الثوابت، وتختلط فيه الثقافات نظراً للتدفق المعلوماتي الكبير بسبب التقدم والتطور في وسائل الاتصال، فقد بات هذا التدفق يصل إلى أفراد المجتمع كافة، يتضمن الغث والسمين، لذا أصبح لزاماً علينا أن نتخذ العديد من الإجراءات والآليات، ليس لمنع التدفق المعلوماتي، بل لتحصين أبنائنا من الأجيال الصاعدة لتمكينهم من القدرة على الفرز بين تلك المعلومات ونقل الأفضل منها وما يتماشى مع ثقافتنا وقيمنا، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال التحصين المبكر لأبنائنا من خلال المدرسة، التي تعتبر الحاضن الأول لهم بعد الأسرة منذ نعومة أظافرهم. الطالب الذي يلتحق بالروضة أو المدرسة هو أمل المستقبل لحياته وأسرته ومجتمعه ووطنه، والمدرس المربي الذي يقوم بهذه المهمة مؤتمن على أداء رسالة التعليم ومتحمل لمسؤولية التربية والتوجيه لهؤلاء الطلاب، وعليه يجب أن يربيهم على الأخلاق والآداب والأفكار الصحيحة، ويثبت عقولهم على الحق ويوجهها إلى سلوك المنهج الصحيح. بهذا المنطق، المعلمون يؤدون رسالة عظيمة في الحياة، ويقومون بجهد كبير، ونعترف لهم بالجميل، ولعل شوقي لم يبالغ عندما شبههم بالرسل «... كاد المعلم أن يكون رسولاً»، فالمعلمون الحقيقيون المؤمنون بمهنة التعليم، تظهر آثارهم في حياتهم وتحمد عقباهم من قبل المجتمع ... وليس القافزون عليها ممن يمثلون قلة في مؤسساتنا التربوية الذين يعتبرون عبئاً على هذه الرسالة .. المعلم من المهن المهمة في المجتمع ولا أبالغ إذا قلت الأهم – وانطلاقاً من تلك الأهمية، فإن لكل مهنة أخلاقيات ومواثيق وقواعد ومبادئ وقواعد وسلوكاً وشروطاً تحكم العمل، يجب التزامها من جانب المتخصصين فيها، والممارسين لأنشطتها، وهي بمثابة ميثاق أخلاقي ودستور تعاهدي بين المشتغلين بها، تلزمهم بأداء مهني عال، يترفع عن الأخطاء، والتجاوزات الضارة بالمهنة، أو مشتغليها، أو بالإنسان الذي تستهدفه هذه الخدمة الجليلة، ويكتسب هذا الدستور قوته واحترامه من قوة الالتزام الأدبي والإجماع الصادق على أهمية تنظيم هذه المهنة من جانب العاملين فيها والقائمين عليها. لو كنت مشرعاً لألزمت كل من يريد أن يدخل سلك التدريس ويتحمل عبء هذه المهمة الثقيلة والمؤثرة في أجيال واسعة يبنى عليها مستقبل الأمم وتطلعاتها أن يؤدي «القسم المهني» قبل أن يلتحق بهذه المهنة ليكون مسؤولاً أمام الله والمجتمع في عطائه وأمام ضميره قبل ذلك ... وأن يكون القسم كقسم أبي اقراط الذي يؤديه كل أطباء الدنيا قبل ممارسة مهنة الطب، يلزمهم بمعالجة المريض بكل أمانة وإخلاص مهما كانت جنسيته أو عرقه أو دينه ... فالتعليم وبناء الأجيال ليس أقل أهمية من الطب، فإذا كان الطب علاج شخص فالتعليم بناء أمة ... ولا ننسى أن أطباء اليوم كانوا أطفالاً على مقاعد الدراسة وبحاجة لمن يرعاهم ليصلوا إلى ما وصلوا إليه . jameelrafee@admedia.ae