الزائر لأوروبا هذا العام يجد عزلة للمدخنين تامة، فهم محاصرون في أماكن لا سقف لها، حتى تكاد تشفق عليهم، فقد أصبحوا كالمنبوذين، لا مكان لهم إلا الشوارع، لذا أصبح مألوفاً أن ترى جماعات المشعوطين متجمهرين أمام باب عمارة أو ركن تحت جدار ينفثون نَفَس دخان من دون نَفْس، ولأول مرة أسمع مصطلحاً لغوياً فرنسياً فرضته الظروف، ومن باب التشجيع، ودعم الآخر ظهر بين المدخنين، يتمنى أحدهم للآخر''نفَساً طيباً'' بدلاً من مصطلح ''بون كوغاج''· الزائرون لتركيا بهدف السياحة نتيجة طغيان وفيضان المسلسلات التركية المدبلجة في محطاتنا، فوجئوا بعدم وجود وجوه كثيرة في الشارع التركي تشبه ''مهند'' فمعظم الأتراك ''مصاكّة'' مربوعين ومكتنزين وشوارب تملأ الوجه، ولا رومانسية، ولا غيرها، الشيء اللي بمائة يبيعك إياه التركي 790 وإذا تقدر ''جاسر'' والحريم ''فاجات نطع'' تدخل الواحدة منهن المحل، وتنتظر أن يشرف ''مهند'' بطلته، وتظل تسأل البائع عن مسلسل ''نور'' ومسلسل ''الأقدار الحافية، والريح الصرصر، والموت الزؤام'' و''سنوات الضياع والحرمان من الشاورما البايتة''- مسلسلات جديدة من عندي- فلا يفهم التركي، فتصر الحرمة المصون أنها مسلسلات تركية تعجبها وايد، فيظهر رأس التركي اليابس، أنه بائع ولا يعرف مثل هذه المسلسلات، ولا يشاهد التلفزيون أصلاً، كما فوجئ الأخوان العرب المصطافون أكثر، بأن الأتراك لا يتحدثون كما في المسلسلات لهجة عربية سورية يفهمونها، حتى وإن زاروا أماكن تصوير هذه المسلسلات التي لا تنتهي بسرعة، والتي أصبحت مزارات سياحية للراغبين من الزوّار العرب الذين سيرجعون إلى بلدانهم، وسيكون حديثهم، هنا سرق هاتف نور، وتم اختطافها، وهنا تدربح مهند، وأعلنت وفاته في نهاية المسلسل، وهنا كان أول لقاء بينهما، وهنا كانت تجتمع العائلة، الجد والجدة صفية، وهنا لعبت المى ابنة بانا·· بس أماكن روعة·· تمنيناكم معانا! الزائرون لأوروبا هذا الصيف ظلوا يترحمون على غلاء الأسعار عندنا، خاصة في جنون ''اليورو'' فقد وصلت وجبة العشاء لعائلة من خمسة أفراد -غير أكّيلة- في مطعم عادي 2500 درهم، والعائلة الصغيرة من 3 أفراد 1800 درهم، فأيها الهاربون من الغلاء ليس أمامكم إلا الـ''مونوبري'' أو المطاعم الشعبية الجماعية المخفضة، أو الاتجاه إلى المدن الريفية، والصغيرة التي هي أجمل في الحقيقة من المدن الصارخة، أو شد الحزام ما دام أنكم في دار، ليست بدار أكرام·