عندما يحاول الآخرون بإلحاح أن يقشروا قالبي، أتحايل لأفر بنفسي إلى نفسي بعيداً عن أظافرهم، وخلال ذلك أجدني أتجول داخل دهاليز روحي، وأعبر ممرات سرية، أتسكع بين جنباتها لأكتشف في كل مرة أبواباً جديدة أقابلها للمرة الأولى، أفاجأ بها، أقترب منها وأطرقها لأسمع صدى تلك الروح القابعة هناك.. بعيداً، في الداخل. جميعنا من دون استثناء نملك تلك الممرات والدهاليز، جميعنا لديه أبواب لا يعرف أغلبها، وبعضنا لا يعرف أياً منها، وقلة فقط منا تدرك أن لأبوابها فعل السحر، هذه القلة تكتفي بأبوابها لعلاج آلامها، تفتحها وتغتسل بضوء النهار القادم خلالها، فتتطهر وتشفى من دون اللجوء لأبواب خارجية بعيدة لا تعلم تماماً تفاصيل الألم كما يعلمها صاحبها. هذا ما أحاول فعله في عزلتي، ففيها أطمئن لنفسي، أختار حدود وتفاصيل مكاني، حضور الآخرين أنا من أحدد ظلاله، فلا حضور كاملاً في حضرتي، فقط ظلال، فظلال الآخرين لاتلزمنا تجاههم بشيء، وهذا ما أفضله، لا قيود ولا مساءلة ولا عتاب، ولا حتى ثناء، لا مجال لسرقة الذات التي تبقى طليقة تختار متى تقترب.. ومن من؟ ومتى تبتعد.. ومن مَن؟ الأجمل أن تنقل تفاصيل عزلتك إلى قلب العالم، فتباشر حضورك ضمن حدودك وبشروطك لا بشروطه، مهما بلغ قبحه، تظل قابعاً فيه متأملاً له من دون أن يكون هو المؤثر،من دون أن تسمح له بطرد جمالك، مستقلاً عنه بكل عناصر ذاتك بعيداً عن قوانينه وحركته، محققاً لجوهرك، فاعلاً به، زاهياً بتفاصيلك.. شاء هذا العالم أم أبى! بعيداً عن خدوشهم سأُبقي قالبي نقياً رائقاً حالماً، سأبقى بينهم استخدم حيلتي متجهة إلى نفسي أطرق أبواباً جديدة لتسطع من خلالها أضواء جميلة براقة، تنتشي بها نفسي، وأطلق بسببها جناحي لأزهو به تحت الشمس، لها ملمس الذهب ورائحة الليمون. Als.almenhaly@admedia.ae