لا نتكلم هنا عن ازدواج معايير، فلم يكن أمر أمة أو شعب يوماً منوطاً بأبٍ أعلى لرعاية الجميع؛ غير كينونة كل أمة أو جماعة على حدة، ولا نتكلم عن تفوق إسرائيل في إدارة شؤونها فهذا شأنها، ولا عن فرنسا ومحاولة بحث تطور ظهور اللوبي اليهودي فيها منذ قضية “جارودي” وقبله، كأن أي فرصة تَهِل كمأساة في عرف اليهود هي انقضاض لتحريك والتمكين من فكرة إدارة أزمتهم التاريخية المزعومة. بما في ذلك المنع اليهودي فرنسياً بالاحتفال بمئوية الكاتب الفرنسي “سيلين”. ولا نتكلم عن ضحايا فلسطين اليوميين، فهم ضحايا من الأغلبية المسلمة والجغرافية المسلمة، مما يبدو أن نقصاناً عددياً بسيطاً يومياً لن يهم، فالأغلبية تستشرب اطمئنانها بجهل من كونها أغلبية، كأن قطع إصبع يد لا يهم فلا يزال هناك تسعة أصابع. هناك الكثير مما يمكن رصده لئلا نتكلم عنه، لكن الواضح أن أربعة يهود هم ضحايا ومن الفلسطينيين يومياً الضحايا ليسوا ضحايا، نعرف أن الكلام بهذه الطريقة فيه عاطفة غير علمية وغير سياسية وغير فاهمة لمفهوم الصراع، لكن ما هو هذا العلم والسياسة، وهذا الفهم الحذق لطبائع الصراع؟!. إن إدارة الأزمات علم العصر منذ السبعينيات تقريباً، وهو القدرة على الترقب والانتباه لكل حدث، وإدارته بما ينوط به أن يكون مفيداً لقضية ما، ويفترض في ذلك أن تكون هناك كراسة شروط استراتيجية عليها معرفة من أنت وما تريد وما تطمح، أي أن غرفة عمليات كونية يجب أن تكون أنت. وفي الحالة العربية فإن ما يظهر منذ عقود لا يدل على أن العرب مهيئون لذلك، بدليل واحد فقط؛ ألا وهو عزل إدارات المؤسسات، بما فيها حتى النفعية عن المساهمة بحرية في شؤون حياتها المرتبطة عضوياً بالكل، حيث لم يكن هناك من فاعلية للقرار سوى لرأس السلطة العاجية، بحجج كثيرة ليس علينا ذكرها هنا، فقد كانت معروفة، وقد أصبحت عياناً بياناً بعد الانتفاضات الثورية العربية، والذي ظهر من خلالها، وهذا هو الأهم؛ كيف كانت مقاومات الأنظمة المستتبة، وكل بلد كان حالة في فهم طبيعة تسلطه ومقاومته، فمن الغريب جداً أنه حين يعبر شعب عن رغباته في التغيير، يبدأ النظام الحاكم في المقاومة كأن الشعب عدو، وهذا ما يبين كيف كانت تحكم الأنظمة العربية، أو على الأقل لا نقول الأنظمة، بل السياق الفكري لفهم طُرق الحكم على هذه الشاكلة. تم دفن اليهود الفرنسيين الأربعة بإسرائيل، سواء كان لديهم الجنسية الإسرائيلية أم لا؛ إنما لنرى الدال من نواحٍ عدة بالمقارنة: مدافن جماعية تكتشف عظام أصحابها، دفن معارضين في البحر سواء أكانت حقيقة أم زعماً، إسالة معارضين في محلول الأسيد، .. إلخ، ليس القصد هنا إلا مواكبة نتائج التصرف لصالح إدارة أزمة ما، والفروقات المُؤَسِّسة لتحكمات مستقبلية كلما أمكن. لكننا نعرف أيضاً أن كل ذلك قد يكون وهباء الريح في لحظات مفصلية مفاجئة، إنما الحديث من أصله – هنا – عن أنه كلما زادت القوة الإدارية الفاعلة للمجتمعات أثناء حياتها الاعتيادية، كلما كانت لحظات كوارثها أقل وأرحم. eachpattern@hotmail.com