المبادرات الخمس التي اعتمدها مجلس الوزراء للتقليل من أعداد العمالة الأجنبية في المهن الهامشية، تعد خطوات في مشوار الألف ميل، وهو مشوار طويل وصعب لتصحيح تراكمات أخطاء تجمعت على مدى عقود، خاصة في المرحلة التي أعقبت قيام الدولة· وبحسب ما أعلنه الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية رئيس اللجنة الوطنية المكلفة بمعالجة الخلل في التركيبة السكانية، فإن هذه المبادرات تتضمن السماح للطلاب من أبناء المقيمين بالدخول إلى سوق العمل وفق قواعد منظمة تضعها وزارة العمل، وتشكيل لجنة لاعتماد أنظمة بديلة للبناء التقليدي تساهم في الحد من الاعتماد على العمالة· وتقليص أعداد العمال الأجانب في هذه المهن القابلة للاستبدال، وتغيير الرسوم والنسب في نظام تصنيف بعض المنشآت المعمول به لدى وزارة العمل، لضمان التزام أصحاب العمل بتعدد الثقافات وعدم الاقتصار أو الاعتماد على جنسية واحدة محددة، وتكليف وزارة الطاقة بالتنسيق مع وزارة الداخلية لتعميم فكرة الخدمة الذاتية في محطات الوقود· نقول إن هذه المبادرات خطوات على طريق المشوار الطويل، لأنها على الأقل مقدمة لتصحيح عملي وعلمي لواقع تراكم على مر العقود، وكنا نسمع عن محاولات للعلاج من دون فعل أو إجراء يترجمها على أرض الواقع· لدرجة أن البعض اعتبره عقبة كأداء تستعصي على الحل· ومما كان يثير الفزع إلى المشهد استمرار المشروعات الضخمة، وخاصة في قطاع التشييد والبناء، وما يستتبعه من استقدام أعداد هائلة من عمال البناء، وبالأخص من جنسية آسيوية محددة، تضخمت لتصبح وحدها ثلاثة أرباع المقيمين تقريباً، ولا يتوانى سفير الدولة التي يمثلها عن التصريح في كل مناسبة بأنهم ''شركاء في البناء'' ويطالب بالمزيد من الامتيازات لها، رغم وجود التشريعات والعقود المنظمة لذلك في الدولة، وقد كان هؤلاء البادئين بإضرابات وأعمال شغب وتخريب يعاقب عليها قانون البلاد· إن باب العمالة والخدمات الهامشية واسع وفضفاض، ومن بوابته تلج مجاميع لا حصر لها من العمالة الوافدة غير المؤهلة، والتي تتحول في مراحل لاحقة إلى عبء حقيقي على المجتمع، بل تكون كابوسا يؤرق الجميع· ومن هنا يبرز أهمية تفاعل شرائح المجتمع مع التحرك العملي للدولة باتجاه تقليص أعداد العمالة الهامشية، وعندما يتلفت المرء حوله يجد الكثير من المهن الوهمية التي تندرج تحت هذا البند· لعل في مقدمتها أولئك الذين ينتشرون في الأسواق حاملين ''كرتونة'' يعرض عليك أحدهم حمل أغراضك حتى لو لم تكن تتعدى كيسا خفيفا، أو أولئك الذين يعبئون الأغراض في أكياس عند صناديق الجمعيات، والذين أسهموا في ''تكرش'' شباب بكامل صحتهم وعافيتهم، يضغطون على بوق السيارة فيخرج هذا من محله ليلبي طلباتهم !!· المسألة مرهون نجاحها بتبلور وعي مجتمعي بمضاعفة الاعتماد على النفس للقيام بالعديد من الأعمال من دون حاجة فعلية وواقعية لعمالة طفيلية· ولينظر كل إنسان إلى ما في منزله، ومدى حاجته إليه· علينا جميعا تعزيز الجهود لتتضافر مع مبادرات الدولة في هذا الشأن، ومن دونها تبدو خطوات وإجراءات الدولة كاليد التي تصفق لوحدها خاصة في ''مشوار الألف ميل''·