مَـن نلتقيهم في قرى طفولتنا البعيدة نُقرئهم السلام والسؤال عن الأهل والأصدقاء بالعبارة المرتجفة على الشفاه والجسد الذي يغرب عميقاً، عميقاً في الماضي كأنما صُنعوا من أرومة الغياب: إنهم أطيافنا الغابرة. *** الجبل الأصفر بتفرعّاته المهيبة ونتوءه الذي يشبه السرير الكبير يستقبل القادمين من مسقط الى عُمان الداخل كما يستقبل كتابُ الليالي مخلوقاتِه وأشباحه ويستقبل الأبدية هل أقام السَحرة فيه أعراسهم؟ وناموا على سريره الدافئ (السرير الذي يسميه عبدالله كرفاية الوحش) واتخذوه حصناً منيعاً كما اتخذت الآلهةُ الإغريقية جبالَ الأولمب. ربما حلم القادم بسرير أيامه الخوالي حين كان حيواناً عملاقاً يسرح في البريّة *** عزيزتي يبدو أن الطقس قد تغيّر. لم أعرف ذلك من النشرات الجويّة ولستُ بطبيعة الحال على متن سفينة تدفعها الرياح الموسميّة كما كان الأجداد المغامرون الذين قضى معظمُهم في الطريقِ طعاما مرّاً تلفظه ذئاب المحيطاتِ من فرط ما دَبغ الشقاءُ أجسامهم. عرفتُ ذلك من نوم البارحة الأقلّ أرقاً ومحنة الأرق الذي كان فاتحة حديثنا كل صباح. *** بيدِك التي تحطّ على القفص الصدريّ الضيّق على الراحة والجبين، يتوسّع العالم وتنحلّ الغيوم النديّة في هواء الغرفة بيدك تستلّين الألم من رأسي كطائرٍ يستل سمكة من جدول عكِرْ سمكة الألم المعتوهة.