لزكريا تامر مجموعة أخيرة بعنوان “القنفذ” والقصة التي تحمل هذا العنوان الدال نموذجا لقصص زكريا تامر من ناحية، وعلامة على شخصيته الإبداعية من ناحية، فالقنفذ حيوان صغير ماكر، مغطى بالشوك، حاد النظر ومرهف السمع، يخرج من مكمنه، حين يتأكد أن الآخرين لا يرونه، فيسجل بعينيه المشاهد التي يراها في محيطه، متحركا في حذر كي لا يراه البشر، ويرصد بسمعه كل أصواتهم القديمة، فإذا استشعر خطرا خبّأ جسده تحت أشواكه، متجنبا الأذى لكن دون أن يتوقف عن النظر الذي يلتقط كل المشاهد الدالة، والسمع الذي لا يترك نأمة إلا سجلها، مع الروائح التي تلتقطها أنفه الصغير، غير ناس في ذلك كله دوره في تصوير ورؤية كل مشاهد المحيط الذي يتجول فيه حذرا، ماكرا، مراوغا، واعيا كل الوعي بقدرته على الكشف عن كل ما يزال في حاجة إلى الكشف. و”قنفذ” زكريا تامر رمز للمبدع من هذا المنظور، فالمبدع في زكريا تامر، حذر يلجأ إلى التلميح لا التصريح، ماكر يتوسل بالكنايات والمجازات ليدفعنا إلى أن نرى العالم حولنا من منظور جديد، واع بما يفعل من مراوغة ومكر، مدركا أن دوره بوصفه مبدعا هو دور مزدوج إزاء العالم وإزاءنا، فهو الشاهد الأمين على ما يحدث في العالم، لكن كيفما تراه حدقتا عينيه الماكرتين، وهو الناقل إلينا، والمنبه لنا، والموسِّع من أحداقنا كي ترى أكثر مما نراه، فيبدو وكأنه يغزنا بشوكة، كي نفارق خَدَرنا، ولا نستسلم إلى عادات الألفة والتعود، خصوصا حين يغدو العالم بما فيه محتاجا إلى الكثير من يقظتنا، كي نكون أكثر فطنة به، وأكثر قدرة على الفعل فيه. هكذا يؤدي القنفذ دوره الوجودي في العالم بوصفه رائيا، شاهدا، مصورا، قاضيا على نحو مباشر، ويواصل القنفذ حضوره فينا بوصفه محفزا، دافعا إلى التأمل والفعل، محرضا على أن نجاوز وهاد الضرورة إلى آفاق الحرية، ولذلك اختار زكريا تامر “القنفذ” أقنعته ومراياه وكناياته الرمزية، فتحدث عن “دمشق الحرائق” التي هي معادل رمزي لكل العواصم العربية التي تشكو من طبائع الاستبداد. وكتب عن “النمور في اليوم العاشر” مشيرا إلى القمع المقرون بطبائع الاستبداد، وخاض في أعماق “الحارة” الدمشقية لكي يخرج شخصياتها الفريدة التي تحولت إلى رموز وأقنعة لمرام، تحتاج معرفتها إلى تأمل ينعش العقل، ويوقظ الوجدان، ولجأ إلى الواقعية السحرية ليتقمص الأشجار والنباتات والحيوانات، فيغدو الإنسان المقهور نمرا في اليوم العاشر، والفنان قنفذا، والبشر أشجارا وحيوانات، مبطئا إيقاع التقائنا بمعنى أعماله، بواسطة المجازات والاستعارات والرموز والمرايا، لكي نسهم في صنع المعنى ولكي لا ينزلق المعنى على وعينا، فننساه سريعا، فلعبة القنفذ المفضلة، أو سره، هي الحفر الذي يبقى في الوعى، بعد أن يوقظه، فلا ينسى دوره في العالم الذي عليه أن ينتزعه من قبضة الشر.