يقول حكيم الشعراء، أبو الطيب: ولو كان النساءُ كمَنْ فقَدْنا لفُضِّلتِ النساءُ على الرجالِ فما أكثرَ النساءَ اللواتي يفضُلْن الرجالَ عِلماً، ويفوقهنّ حكمةً وعقلاً، فيتبوّأن في المجتمع مكانة عليا. وعلى أنّا لا نريد في هذه المقالة القصيرة إلى الحديث عن النساء العربيّات، ولكنّنا إنما نريد الحديث عن النساء الغربيّات خاصة، ونودّ أن نثير ما ورد في كتاب “هوَس العبقريّة” الذي صدر مترجَماً عن “مشروع كلمة” في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، للكاتبة الأميركيّة باربارا ?ولد سميت، وهي التي تناولتْ فيه بالدراسة والتحليل سيرة العالمة الفيزيائيّة ماري كوري (1867 ـ 1934) البولنديّةِ الأصلِ، الفرنسيّةِ الجنسيّةِ، والتي نالت درجة نوبل مرّتين اثنتين، لا مرّة واحدة، وهي أوّل امرأة تَشْرُفُ بذلك في التاريخ. كما تقلَّدت مناصبَ علميّةً عليا في مؤسسات البحث والعلم بفرنسا مثل عضويّتها في أكاديميّة العلوم، ومثل نيلها درجة الأستاذيّة في جامعة السوربون لأوّل مرّة بالقياس إلى امرأة... ومن عجبٍ أنّ هذه السيّدة، كما تلاحظ باربا سميت، لم يُلْهِها البحث العلميّ العالي، ومخابره ومكابدته، ولم يَحْظُرها منصب التدريس في السوربون، ولا إلقاء المحاضرات في كلّ مكان؛ لم يحُل بينها كلّ ذلك وبين احتضانِ ابنتيْها فتعهّدتهما بالتربية الحسنة، ودرّتْ عليهما من حنان أمومتها حتّى كَبِرَتا... فهي امرأة مثاليّة بحقّ، بحيث إذا ذكرتَها في الأمهات ألفَيْتها مِن خيرِ النساء؛ وإذا ذكرْتها في مجال العلوم الفيزيائيّة وجدتَها أبرعَ العالمات. إنّ ترجمة هذا الكتاب الجميل إلى اللغة العربيّة هو من التوفيق الذي كثيراً ما يقع لصديقنا الدكتور عليّ بن تميم، مدير مشروع “كلمة” التي لم تبرح تطالعنا بنقل أجمل العناوين وأشهرها سيرورةً بين الناس في العالم فتُتِيحُها لقرّاء اللغة العربيّة الذين إن تاحَ لأحدِهم أن يقرأ بلغة أجنبيّة حيّة فلن يُتاحَ له أن يقرأ بلغة أجنبيّة حيّة أخرى، وهذه هي فائدة الترجمة في إثراء المعرفة، وتوسِعة ثقافة القارئ العربيّ وتنوير عقله، وإمتاع قلبه، وإرضاء فضوله المعرفيّ... وعلى أنّي لست معجَباً، ولا موافقاً على عنوان الكتاب الذي اقترحتْه مؤلفته الأصليّة باربار ?ولد سميت، إلاّ إذا كانت الترجمة من الإنجليزيّة إلى العربيّة غيرَ موفْقة، وإنّي أشكّ في ذلك؛ فيكون إطلاق لفظ الهوس على سيرة امرأة عالمة فاضلة مثاليّة من الحرمان الشديد. أرأيت أنّ الهَوَسَ في اللّغة العربيّة لا يعني إلاّ ضرْباً من الجنون، كما تنصّ عليه المعاجم العربيّة؛ فهل كانت العالمة ماري كوري مجنونة في المجانين، وهَوَّاسةً في الليالي؟ إنّ هذا الأمر حيّرني حقّاً في أمر عنوان الكتاب الجميل الذي يمجّد عقل عالمة وعبقريّتها فيصفهما بالهوَسِ الذي هو بعينه الجنونُ؟ كما أنّي لاحظت في الترجمة بعض الهنات اللغويّة والنحويّة مثل قول المترجِمَيْنِ في صفحة 13، مثلاً، “ترقُد في إحْدَى المستشفَيات”، يريدان: “في أحَدِ المستشفَيات”.