كُثر هم من يعبرون، وقلة من نتذكر ملامحهم، أما النادرون فهم من يلمسون براحة أيديهم قلوبنا، فنستغرق في تفاصيلهم ونغرقهم في تفاصيلنا، يبثون فيها الدفء والوجود، فتصبح نبضاتها أكثر عمقاً، وضخها مختلفاً، يبعث الرونق في أوصالنا· وعندما يغادروننا يحملون معهم حقائب ملأى بذكريات لا عدد لها، تغيب عنها الألوان ولكن الروائح الجميلة لا تبرحها، كما لا تغادرها الأصوات العتيقة· يغادروننا طواعية مع سبق الإصرار والترصد؛ يتركوننا وهم فرحون بانتهاء غربتهم، ونبقى -بعد محاولات متكررة غارقة في الفشل أن نحيدهم عن قرارهم- قابعون يملؤنا الخوف على أشيائنا الجميلة التي سيأخذونها معهم عندما يذهبون، خائفون من غيابهم على أنفسنا· أستاذي حامد نجيب·· سأفتقد جملتك التي تكررها لي عتاباً كلما انشغلت فترة عن المرور على مكتبك (أنا شفتك فين قبل كدة؟ إنتي اسمك إيه؟)؛ سأفتقد قدرتك على إخضاعي للصمت أنا صاحبة الصولات والجولات الكلامية، أمام تعليقاتك على كل الأشياء؛ سأفتقد تلك الورقة التي كنت أراها دوماً أمامك وقد كتبت عليها خيار·· حليب·· طماطم·· بخطك الكاريكاتوري المميز، وما أن تراني حتى تقلبها تجنباً لتعليقي بأنك ''أب رائع وجد أروع''؛ سأفتقد انبهارك بحفيدتك الصغيرة واكتشافاتها الصغيرة للعالم، وانزعاجك المحبب للعبها المستمر بألوانك؛ سأفتقد جملة ''حامد في إجازة'' التي كانت تُكتب تحت رسوماتك، لأني أعلم هذه المرة أن إجازتك ليس بعدها عودة· فلتعلم أنك عندما ستغادرنا إلى بلادك، أن حقيبتك لا تحمل ثيابك وهدايا لمن تحبهم فقط، وإنما تحمل جزءاً من أعمار جميلة لأناس قضوا بقربك أوقاتاً شكلت جزءاً من تركيبتهم الفكرية والعاطفية؛ اعلم، أنك ستحمل الكثير من ابتساماتنا التي نثرناها كثيراً أمام رسوماتك على صحيفة ''الاتحاد'' منذ أن كنا نتشدق ونحن أطفال أمام أهلنا بأننا نجيد قراءة تعليقك؛ كما ستحمل في حقائبك أيضاً دموعنا الساخنة التي أطلقناها أمام الكوميديا السوداء التي تعبر واقعنا السياسي والتي تعلمنا دروسها الأولى على يديك· لست متأكدة أن تتسع حقائبك كل ابتساماتنا ودموعنا ولحظاتنا الدافئة بقربك، ولكني متأكدة أن خطوطك الكاريكاتورية ستظل في ذاكرتنا مجددة لابتسامات ودموع لن تنتهي بمغادرتك؛ وستبقى راحة حانية تلامس قلوبنا· Als_almenhaly@admedia.ae