أحيانا قد تسمع بعضهم عند الحديث في موضوع ما، سواء بشكل حضوري أو عبر وسائل الإعلام، يتحدث ثلاث كلمات باللغة العربية ثم يدخل بينها كلمة باللغة الانجليزية، ويبدأ يتلعثم حتى يسعفه آخر بالكلمة التي يريد، ثم يثني على ذاك السلوك بطريقة مموجة تعكس ثقافته... في تقديري هذا بعض من الناس واهم وهو يعزز سلوك له نتائجه الخطيرة ليس على مكانة اللغة العربية فقط، بل على الهوية الثقافية بكل مكوناتها، خاصة وان عصر العولمة الذي نعيشه اليوم يضغط بقوة على ثقافة الشعوب ومجتمعاتها الهشة ليجعلها بمرور الزمن عديمة الفائدة والمعنى، لأن المكونات الثقافية من عادات وتقاليد ولغة ونظم اجتماعية في صراع مع غيرها من الثقافات المؤثرة، وفي الغالب النتيجة تكون في مصلحة الأقوى على المدى البعيد. عوامل عده أثرت على اللغة العربية سلبا في مجتمعنا منها، إفساح المجال للتعامل باللغة الإنجليزية، وتوظيف العنصر اللغوي الأجنبي في شؤون الأنشطة الاقتصادية والخدمية والتعليمية بدعوى أن ذلك سيساعد على اختزال المسافات للدخول في مضمار الحضارة الغربية ومضامينها التكنولوجية.. حضارتنا العربية غنية بتراثها الثقافي واللغوي والتاريخي والأدبي والعلمي، وهو ما يشكل هذا العمق التاريخي المتصل والمتجدد في مسيرتها رغم كل العقبات والعثرات التي مرت بها، وقراءة للتاريخ العربي الإسلامي سيقف من يريد على مدى الجهود التي بذلها علماء المسلمين في تطوير حقول المعرفة العقلية والعلوم النقلية، كأن أداتهم في ذلك تقوم على اللغة العربية التي عملوا على تطويرها وتنميتها لتستوعب علوم العصر التي كانت سائدة آنذاك في الحضارات الأخرى وأضافوا إليها بما يتناسب مع احتياجاتهم. نعم، اللغة العربية تحتاج دائما إلى تطوير في مصطلحاتها لتواكب ثورة المعلومات وهذه المهمة نعول بها مجامع اللغة العربية وحركة الترجمة للتعامل بها في مختلف النشاطات الحياتية العصرية، ويقيناً المدرسة هي الأساس الراسخ الذي نعول عليه للحفاظ على اللغة العربية وإثرائها في عقول ونفوس أبنائنا الدارسين فيها... ولكن انظر إلى قطاعات التعليم اليوم... اللغة الانجليزية باتت أساساً للتعليم على حساب اللغة العربية التي أصبحت تراثاً.. ولغة للمحادثة لا لغة للتفكير وإنتاج المعرفة! أليس ذلك نتيجة لربط اللغة الإنجليزية بشؤون الأنشطة الحياتية بوجه عام، حتى في الحصول على وظائف !؟ اليوم يتسابق الأهالي لإلحاق أبنائهم في عمر أقل من 4 سنوات برياض الأطفال لتعلم اللغة الانجليزية، وهم لم يتمكنوا من العربية أصلا.. أي جيل ننتظر؟ يصل الواحد منهم إلى المرحلة الإعدادية لا يستطيع تركيب جملة، وفي الجامعة يخطئ في الإملاء... ولا علاقة له بالنحو، نحن لسنا ضد تعلم اللغة الانجليزية بل معها، لكن ليس على حساب اللغة الأم. المبادرات النوعية التي تطلقها الدولة اليوم تأتي لتجسد الاهتمام الذي توليه للحفاظ على اللغة العربية، ليس فقط لأنها تعتبر اللغة الوطنية ورمز الهوية، وخصوصيتها الثقافية والحضارية والمجتمعية، وإنما أيضاً لأنها تعتبر حائط الصّد أمام التأثيرات الثقافية الوافدة، والتركيبة السكانية للمجتمع.. سدد الله خطاكم. jameelrafee@admedia.ae