تعتبر الروائية البلجيكية إميلي نوثومب من أغزر الكاتبات إنتاجاً في أوروبا. دخلت عالم النشر سنة 1992 وبلغت رواياتها اليوم أكثر من خمس وعشرين رواية. تفسر نوثومب هذه الغزارة قائلة: “لقد أرغمت على الكتابة منذ أن كنت في السادسة من عمري. لقد أجبرني والداي على أن أكتب في كل أسبوع صفحة كاملة أوجهها إلى جدّي البلجيكي الذي لم أكن قد رأيته قطّ”. وهي تجزم بأن الكتابة تمرّس. كن كريما مع الكتابة وستبادلك كرماً بكرم. هذا هو الدرس الذي تنطلق منه. لذلك تجزم بأن:” غزارة إنتاجي ترجع إلى سنوات من التمرّس، كلما توغلت في الكتابة اكتشفت ما لا نستطيع التخلي عنه إبان عملية الإبداع: جملةٌ، بضع كلمات، مشهدٌ. دائماً يطلبون مني نصائح تخصّ سرعة الإنجاز. نصيحتي الوحيدة أن الكتابة يفتح بعضها بعضاً. وصعوبات الكتابة تُذلّل إبان عملية الكتابة ذاتها. نصيحتي الثانية: لا بد من قراءة نص ريلكه “رسالة إلى شاعر شاب”. عديدة هي الروايات التي أثبتت بها إميلي نوثومب أنها روائية متمرّسة بأصول الفنّ. منها رواية “التخريب العاشق” التي حازت سنة 1993 جائزة الموهبة وجائزة شاردون ورواية “اندهاش وزلازل” الحائزة على الجائزة الكبرى للرواية وهي جائزة تمنحها الأكاديمية الفرنسية العريقة، ورواية “سيرة الجوع” و”مذكرات خطاف” وغيرها كثير. أصدرت إميلي نوثومب هذه الأيام رواية جديدة بعنوان “شكل من أشكال الحياة”. ولعل المهم في هذه الرواية أنها تسرد وقائع حقيقية عاشتها الكاتبة. أما الأهمّ فيتمثّل في كونها حرب العراق. والناظر في روايات إميلي نوثومب يلاحظ أن الهاجس الذي يخترق جميع رواياتها هو موضوع السمنة. وهي تذكر أن العديد من المصابين والمصابات بهذه الآفة كثيراً ما يراسلونها على شبكة الأنترنت فتردّ على جميع تساؤلاتهم دون استثناء لأنها مولعة بالتواصل مع قرائها. من هذه المراسلات تنطلق روايتها الأخيرة. وهي تبدأ هكذا: “هذا الصباح تلقيت رسالة من نوع جديد. عزيزتي إميلي نوثومب، أنا جندي في الفرقة الثانية من الجيش الأمريكي، اسمي ميلفان مابل، يمكنك أن تناديني ميل. أنا مرابط في بغداد منذ بدء هذه الحرب اللعينة، أكتب إليك لأنني أتألّم كالكلب... ميلفان مابل. بغداد12/18 /2008”. تلحّ المؤلفة على أنها انطلقت من هذه الحادثة وفتحت الكتابة على الأثير لديها: السمنة. صوّرت هذا الجندي يراسلها ليشتكي من السمنة. هذه السمنة التي ابتلي بها ستعتبر تآمراً لاإرادياً على مصالح أميركا. ههنا بالضبط تصبح الكتابة سخرية مرّة تشهّر بالجيش الأميركي لا سيما عندما يعلن ميلفان أن سمنته دليل على أنه يحمل في جسده حيوات وأجساد ضحاياه من العراقيين الذين أبادهم دون أن يتساءل بأيّ ذنب قتلوا. لا غالب ولا مغلوب في هذه الحرب المشؤومة تجزم الكاتبة. الكلّ مدان. وكاذب من يدّعي العصمة. كاذبة أمه، وكاذبات خالاتُه من الرضاعة أيضاً.