في ذلك المساء من مساءات أبوظبي الرائعة كان صوت جورج مايكل ينبعث خافتاً كخلفية هادئة في المطعم الذي يصنف نفسه بالنجوم، المكان هادئ وأنيق والوقت لا يزال مبكرا لاستقبال مزيد من الزبائن، ثمة عائلة عربية كبيرة يبدو أنها مدعوة على وليمة بمناسبة زيارة السيدة حماة “سي السيد” القادمة من البلاد هربا من الأجواء الباردة والأحداث السياسية. رجل وامرأة أجنبيان جلسا قريبا من المدخل، وكأنه بذلك يعلن حبه لها أمام الملأ، ليشاهدهما كل العالم، يجلس بجوارها يهمس في أذنها ويناولها الطعام بيده وليخسأ الحاسدين والحاقدين.. كانت هناك أيضا فتاة آسيوية جلست وحيدة تقضم مرارة الغربة والوحدة، ويوجد زبائن آخرون تواروا في زاوية لا يمكنني رؤيتهم لكن كان بينهم شاب في سن المراهقة يرتدي زيا وطنيا كثير الحركة يخرج ويعود وكأنه يعد لأمر ما.. النادل العربي يبدو سعيدا عندما جاء لأخذ الطلبات غير أنه مهمل ويفتقر إلى أصول المهنة، ربما بسبب قلة الخبرة، وربما لأن العرب هكذا هم لا يفعلون الأشياء بطريقة مكتملة، وفضلت أن تخدمني النادلة الآسيوية.. ابتسمت عندما رأيت الشاب المراهق وهو يعود محملا بطعام من مطعم الوجبات الشريعة المجاور، وهو ما لم يعجب مدير المطعم، فأرسل أحد موظفيه بكل هدوء ليخبر الشاب بأن ذلك يتنافى مع سياسة المطعم.. فجأة تفجر الوضع وانقلب الهدوء إلى ما يشبه البازار، صراخ وتهديد بين الشاب والنادل، قبل أن تتدخل الأم محاولة ضرب النادل، وتفاقم الأمر وساد الهرج والمرج في المطعم، بعض الزبائن غادروا خشية أن يصيبهم كرسي طائش، أو صحن طائر، شعرت بأنني محاصرة فلزمت مكاني أراقب المشهد وتطور الأحداث، نظرت إلى العائلة العربية، فرأيت “سي السيد” محتقنا لأنه يعرف أن الليلة لن تعدي على خير لسوء اختياره للمطعم فيضطر إلى إعادة الدعوة، الأجنبي وفتاته بديا مذهولين وقد تحول جوهما الرومانسي إلى فيلم أكشن.. الموقف سخيف ولا يستحق كل هذا العناء، ولا يستحق أن يتطور إلى هذا الشكل في مكان راق كهذا، كان لابد من معرفة القوانين أو على الأقل عدم التصعيد عندما يتعلق الأمر بالبديهيات.. كلمات السباب الخادشة التي يستخدمها كل من الأم والابن تدل على بيئتهما السوقية الغوغائية، وخشيت على ابني من التأثر بهذا المشهد الغريب، فاحتضنته لأشغله عن متابعة المشهد، وخشيت على سمعة المواطنين، لكن ليس باليد حيلة، فمهما كان فكل إنسان حر في تصرفاته ولا يمثل إلا نفسه، وفي المجتمع هناك “الشين والزين”.. bewaice@gmail.com