(الوطن، جسد يجب أن نغترب عنه لكي نسكنه، لا أن نسكنه لكي نغترب عنه)· إبراهيم الكوني من المؤكد أن فوز الروائي إبراهيم الكوني بجائزة الشيخ زايد للكتاب-فرع الآداب- ستكون مكافأة مستحقة للصحراء، كما هي تتويج لجهد الكاتب الذي اقترن اسمه بحياة الصحراء التي انتشلها من هامش السرد وحاشيته وصورته النمطية المجترة في الخيال البعيد عن تمثلاتها وإيحاءاتها، ليكون الفضاء الصحراوي بؤرة الأحداث والرؤى والصراع والأقدار في جل أعماله التي كنا نقول تبسطا إنها تتماهى بالصحراء في نَفَسها الطويل وامتدادها الذي يحتاج إلى صبر قاطع الصحراء لينهي قراءتها ! من بعيد تأتي تمثلات الصحراء وأمكنتها ومفردات الحياة فيها: وبذلك تتحقق مقولة البعد عن الشئ لصياغته· وهو ما يقوم به الكوني في سلسلة أعماله· وإذا كان النقاد قد رأوا في أعماله ذلك التماهي بالمكان الصحراوي فإن الروح التي تشيعها أعماله تعيد ترتيب صلة العربي بالخارج، لا سيما بتلك الكائنات التي تشاركه العيش في المكان الصحراوي فيأنسها، بمقابل الذعر والخوف من الصلة بالإنسان الذي يفاجئ برغباته المدمرة وخبايا نفسه وتعرجاتها· في مقالة حول( الخِلّ ) - ولنلاحظ عراقة المفردة البديلة للرفيق أو الصديق - يصل الكوني عبر استقراء العلاقة بالآخر منذ أفلاطون وقدامى الحكماء وأمثولات العقلية الشعبية والميتافيزيقيا إلى أن (تنكيل الخلاّن بنا وكذلك خياناتهم لنا التي كثيرا ما تفقدنا الثقة في الإنسان كقيمة أخلاقية، ما هي إلا قصاص ميتافيزيقي ندفع ثمنه كما ندفع الموت ثمنا للحياة)· هذا الإحساس الكامن وراء الالتصاق بالمكان بديلا لخذلان الخلان وهشاشة العلاقة بهم -بعبارات الكوني -هي التي ستجد بديلها الرمزي القوي لاستعادة الصحراء:من فضائها وأشيائها وأحيائها وخرافاتها وأساطيرها وواقعها الخليط من ذلك كله ، وسيكون للإنسان فيها وظيفة الصمت ليصغي إلى السكون في الخلوات المقطوعة وليصوم عن النطق كما يرد في رواية ( المجوس)، محاكيا بذلك الانقطاع، شعائر الصحراء ذاتها ،وخارجا عن جنسه الآدمي ليندغم بصمت الصحراء وسكونها البليغ وليكون جديرا بها وأهلا لعمقها المخبوء تحت رمالها وكثبانها الخرساء· إنه خروج تكتيكي مؤقت أو لحظة مجمدة في الزمن لاستعادة قيمة مفقودة يمثلها الوطن ، لا يحس بها من يقترب منها كثيرا إلى حد بلوغ نقطة التلاشي في المنظور البصري· وهذه صورة تقريبية لوضع الكوني في الكتابة : الاستمداد من حياة الطوارق وتغذية واقعهم بالخيال الثري وتجسيد الصحراء لتقترب أكثر ونحن نبتعد عنها جغرافيا وحياتيا وثقافيا ·· الصحراء تكافأ كما الرواية من خلال فوز الكوني ، فتحضر في ذاكرتنا التي يؤرقها النسيان كما يحررها من حاضرها الشائك الملتبس···