يحتاج كل خِطَاب إلى إثبات إجرائية أولى، لتحقيق هدف التسمية التي جُبِل عليها، وهذا ما نعانيه ناحية استخدام كلمة “النقد”؛ المرتبطة حصراً هنا بعالم التأليف إبداعياً في مجال الكتابة والفن، ذلك أنها تحولت إلى حالة من إضرام النار في النار بلا هدف يُذكر،؛ سوى إطلاق ممارستها على عواهن التعود، من دون فحص تكتيكي لاختلافات النصوص المُنتقدة، ولا تفعيل اختلافات أدوات النقد، منهجاً ورؤىً، ما يؤدي بالتالي إلى حصر العملية النقدية بالمفهوم الشعبي للكلمة، كأن تقول: انتقد فلان طريقة فلان في كذا. ونكون بذلك أسفلنا الكلمة إلى دلالة اجتماعية لا تتجاوز استخدامنا اليومي لكلام مثل: صباح الخير، مساء الخير. نعاني عربياً على مستويين لتلقي هذه الكلمة: “النقد”. الأولى؛ معاناة اعتيادية، وهي من عامة الجمهور؛ مَن ليس له في المعرفة المهنية لممارسة “النقد” مهنة أو إبداعاً، حيث يتدخل كل من هب ودب برأيه بناءً على قواعد ليس لها علاقة بموضوع النقد، إلا من خلال كونه مسؤولاً عن فكرة عقائدية أو اجتماعية، أو حتى عن نفسه باعتباره لا يمكن إلا أن يكون له رأي في كل شيء، وبهذا لا يُقر الإنسان بنفسه على أنه إنسان، بل على أنه مبعوث فضائي إرشادي. والمعاناة الثانية من ممارسي المهنة أنفسهم، إذ أن أوليات الحضور الأكاديمي، وبالتالي التعليمي للنقد بالية، فمن أين يمكن استطراق الأواني لصالح ممارسة شعبية للنقد كعلم داخل معقله؟ أسوق كل ما سبق لأعرج على، ولا أقول أعبر إلى، إذ أن المسألة تقتضي العرج ولا تستأهل العبور.. إذن لأعرج على النقد في الإمارات، الذي لا حياة له، ولا تصور لكيفية النهوض به، وأيضاً لممارسته ممارسة صحفية من ناحية، وتنطعية بجدارة. ونقول إن هناك تميزا ممكنا، تميزا قد يؤدي لتفعيل الخطاب النقدي، وذلك عبر التوجه لكتابة ما يُسمى بالخاطرة النقدية، التي من الممكن أن تكون مدخلاً إرهاصياً للمسك بشذرات نقدية، تؤدي فيما بعد إلى خلق وحدة نظامية لفهم نص ما، من دون أن يكون النقد رأياً بل موازاة لبعض مفاصل الجسم النِصِّي. وانتشار هذه الممارسة يستلزم دعوة عامة لها، تُفتح للجميع، نتحاور حولها ونُطْلِق توجهات عدة لآلياتها، فهي ليست طالبة لتخصص مهني نقدي صِرف، بقدر ما ستكون جزءا من حالة قراءتنا بعضاً لبعض لنصوصنا، على أن تكون سَجالية، ومع الوقت تترسخ كتابةً ما يمكن تسميته بـ”القيل والقال النقدي”. وإذ سيكون ممارسو كتابة الخاطرة النقدية الكُتَّاب أنفسهم، فإن شيئاً ما من روح هاجسهم التأليفي تبعاً للنوع الأدبي لهم، سيُلْهِم خواطرهم النقدية، ما سيؤدي إلى إغناء قاموسي للغة النقدية. وحقيقية نحن لا نحتاج إلى مأسسة نقدية على غرار مشروعيات قرائية نقدية كلية؛ كما كان قديماً، بل نحتاج إلى مجاورات دلالية، من شأنها تدريب معارفنا الكتابية على التوغل أعمق لغةً وموضوعاً فيما نحن بصدد الانفعال به؛ لنكتب قصة أو شِعراً أو ..أو. amzf@live.com