دينا جوني (دبي) 

من على سرير أحد مستشفيات المملكة المتحدة، تُقدّم نورا الجسمي، الطالبة في الصف السادس في المدرسة الإماراتية، والطفلة ذات الأحد عشر عاماً، درساً بالعزيمة والإصرار للطلبة في الإمارات، وللميدان التربوي بشكل عام. 
نورا التي تعاني السرطان منذ أن بلغت الثامنة من عمرها، هي اليوم في المرحلة الثالثة الأكثر حساسية من رحلة علاج مضنية في الخارج. تقاوم نورا السرطان منذ 3 سنوات، تحاصره حيناً ويغلبها حيناً آخر، فلا يكاد يختفي ذاك الخبيث بعد عملية استئصال خطرة، حتى يظهر في مكان آخر، حتى بلغ حجمه 14 سنتيمتراً وفقاً لمروة زوجة أخيها، وكلاهما يرافقانها في رحلة علاجها.

بذكائها الحاد، تحارب نورا حزنها وخوفها من سرطان يعاندها، ينازلها، يخنق أملها بحياة ممتدة مليئة بالتجارب أمامها، يتلاعب بنسبة بقائها على قيد الحياة مثل أرقام البورصة. 
تستيقظ يومياً متمنية أن يكون مرضها الذي شرح لها عنه أطباؤها، مجرد مزحة ثقيلة، كذبة، ستعيّشها في قلق ليوم واحد فقط، حتى تنام فتستيقظ في اليوم التالي وهي تعلم أنها تقبض بيدها على كل احتمالات الحياة. لكن سرير المستشفى لا يكذب، والأجهزة الموصولة بأوردتها لا تكذب، والألم الذي يجتاحها فجأة لا يكذب. 
هذا الواقع الذي تعيشه في الغربة بعيدة عن والديها العاجزين عن السفر لكبر سنهما، لم ينجح في أن يثبّت نورا في زاوية الاستسلام. فمع «التعلّم عن بُعد» الذي تطبّقه وزارة التربية والتعليم منذ أبريل الماضي، تتابع نورا الدروس المسجّلة من مركز علاجها البعيد بحرص يمثّل إصرارها على رسم مسارها بنفسها، تصرّ على حلمها بأن تصبح في المستقبل طبيبة تعالج الأطفال. 
وزارة التربية والتعليم ترافق خطوة بخطوة نورا في رحلة إصرارها، وتقدّم لها كل المساعدة المطلوبة والدعم الكبير المعنوي والتعليمي والتقني.
شرحت مروة أنه بعد أن عجزت نورا عن متابعة صفوفها عن بُعد عبر هاتفها الذكي مع مدرسة الزوراء الأولى في عجمان لأسباب تقنية، عاجلت وزارة التربية من خلال مديرة مدرسة الزوراء أمل أحمد سعيد، ورئيسة وحدة الخدمات المدرسية فاطمة عمر الهنوري، ومهندس الدعم الفني من الوزارة محمد ممدوح، ومديرة العلاقات العامة في الوزارة غنى فارس، بإرسال جهاز كمبيوتر محمول إلى المملكة المتحدة من خلال «توزيع» إحدى شركات «المتحدة للطباعة والنشر» في أبوظبي. وأضافت أن مشكلة تقنية حالت دون تمكّنها من الاطلاع على المحتوى الرقمي للدروس، فأرسلت وزارة التربية جهازاً آخر مزوّداً بجميع البرامج والمنصات التي تحتاجها نورا في دراستها، بالإضافة إلى الكتب المدرسية. 
وقالت إن المدرسة جنّدت خيرة كوادرها الإدارية والتعليمية لمساعدة نورا في دروسها بالصوت والصورة ولمدة 24 ساعة في اليوم، وفي إتمام واجباتها الدراسية. ولفتت إلى أنه بسبب العلاج الذي يستهلك طاقة نورا، ويعرّضها لآلام تمتد لأيام، أعطت المدرسة كامل الحرية لنورا لإنجاز ما يمكنها إنجازه، وفي الوقت الذي يناسبها، ودعوها إلى عدم التردد في طلب المساعدة متى شاءت. 
وأكدت أن نورا لم تدع الألم يغلبها، فهي تستيقظ بتوقيت لندن الساعة الرابعة فجراً، لكي تكون حاضرة لمتابعة دروسها في الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت الإمارات، لتذهل معلماتها برغبة ثابتة بالدراسة والتعلّم لا يزحزحها ألم. 

الحلم والفرح 
تسرد مروة صوراً من يوميات نورا الطفلة وأحلامها. فهي تودّ العودة إلى البلاد لتحصل على هدايا «مرحباً مدرستي»، وتكتب اسمها بالقلم الذي يخط حبراً بنفسجياً لمّاعاً على الصفحة الأولى من دفتر الرياضيات، مادتها المفضلة. 
تودّ العودة لتكتب بخط صغير على الجدار بجانب مقعد الدراسة الحروف الأولى من اسمها وأسماء صديقاتها المقرّبات داخل قلب سيجمعهن للأبد. 
لتجلس في السيارة مع عائلتها في رحلة كل يوم خميس، وبيدها بالون أحمر مربوط بشريط طويل، تمسك طرفه بيدها جيداً وتركض به سريعاً على الشاطئ وتراقبه محلقاً مرفرفاً خلفها، ثم تتوقف مخافة أن تقطعه مقاومة الهواء التي قرأت عنها في درس الفيزياء، فيطير من يدها بعيداً، ويضيع وحيداً في المدى الأزرق. 
لتلاحق فراشات تغط من زهرة إلى أخرى في الحديقة الخلفية للمنزل. تلك هوايتها المفضلة التي اكتسبتها من الرحلات العائلية في الحدائق، داخل وخارج الإمارات. لا تريد أن تلتقطها، أو تأسرها داخل مرطبان زجاجي تضعه لاحقاً على الرف في غرفة نومها. تحب أن تتأمل كيف ترقص الفراشات من دون موسيقى فتراقص قلب الناظر إليها، كيف ترسم برفرفة أجنحتها ألوان قوس قزح، كيف يمكن لو حطت على رأس أنفها، أن تدغدغها، فتكبت ضحكة كي لا تطير. 
حين عبّرت نورا لمديرة وحدة الخدمات المدرسية فاطمة عمر الهنوري عن حسرتها لعدم تمكّنها من إحضار كتب المدرسة معها، سارعت الأخيرة مع أمل أحمد سعيد مديرة مدرسة الزوراء في عجمان، إلى مخاطبة مديرة العلاقات العامة في الوزارة غنى فارس، لتأمين كل ما يلزم نورا في دراستها، تطبيقاً للشعار الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، «لا تشلّون همّ». 
تقول مديرة المدرسة إن نورا هي البطلة، والمحاربة الصغيرة التي بصبرها وحماسها وذكائها، دفعت الجميع إلى مساعدتها. وقالت الهنوري إنه لم يمض على رسالتها إلى فارس 24 ساعة، حتى كانت الكتب من «المتحدة للطباعة والنشر» وجهاز اللابتوب جاهزين للشحن والتوصيل عبر «توزيع». إلا أن خللاً تقنياً حال دون تمكّن نورا من استخدام منصات الوزارة وبرنامج «تيمز»، الأمر الذي دفع بفارس إلى إرسال جهاز آخر عبر شركة «توزيع» من أبوظبي، بعد أن تمّ تجهيزه فنياً لكي تتمكّن نورا من استخدام منصات الوزارة من خارج الدولة. كما عمد محمد ممدوح مهندس الدعم الفني إلى الاستعانة بالممرضات اللواتي يهتممن بنورا في علاجها، لمساعدتها على تشغيل بعض المنصات. 
كما شكّلت مديرة المدرسة فريقاً خاصاً من المعلمات والدعم الفني من الوزارة، بالإضافة إلى وحدة الخدمات المدرسية، لمتابعة نورا في كل ما تحتاجه لإتمام دراستها، وفي كل الأوقات. وقد أطلقت المدرسة على تلك المجموعة «نحن معك يا نورا». 
وشرحت أن نورا التي توقفت منذ عام عن الدراسة، أثبتت بفضل التعلّم عن بُعد إصرارها على التعلّم، عبر الملاحقات الطفولية للمدرسة والوزارة في الاستفسار عن الكتب والجهاز، لمتابعة دراستها بشغف وحب، وتتحوّل إلى قدوة ومثال لطالبة العلم المجدّة، والتي تجسّد بقصتها رؤية القيادة الرشيدة في أن العلم لا يتوقف، واستمراره واجب في جميع الظروف.

اتصال الـــــوزيــــــــر
«أنا مهمة، أنا مهمة»، قالت نورا فرِحةً عقب اتصال تلقته من معالي المهندس حسين الحمادي، وزير التربية والتعليم. تشرح مروة عن حجم الدعم النفسي والمعنوي الذي شعرت به نورا بعد اتصال الوزير الذي أكد لها أنه يضع كل الإمكانيات بين يديها، مصراً عليها أن تطلب منه شخصياً كل ما تحتاجه ومتى أرادت، وهو على أتمّ الاستعداد للتلبية. وقالت إن معاليه لم يكلّم نورا بصفة الوزير، بل بصفة الأب الحنون والصديق الذي أشعرها باهتمامه بأنها من أفراد عائلته. وأكدت أن اتصال معاليه شكّل المحفّز الأساسي لنورا في الاستمرار بالدراسة ومتابعة صفوفها وإنجاز واجباتها، مشيرة إلى أنه أثنى على مثابرتها، داعياً لها بالشفاء لتعود إلى أرض الوطن وحضن المدرسة الإماراتية.