لمياء الهرمودي (الاتحاد)

تعدّدت آثار جائحة «كورونا» على قطاعات الحياة الرئيسية، وبرزت بشكل أكبر في التعليم، حيث الانتقال لأول مرة على مستوى العالم لنظام «التعلم عن بُعد»، وهو ما كان له نتائج مختلفة على الطلاب، الذين بدورهم خضعوا لأول مرة لنظام لم يكن مألوفا.
وفي الإمارات، لم تكن عملية التحول إلى التعليم عن بعد أمراً صعباً بعد أن وفرت الجهات المعنية للطلبة وأولياء الأمور والمعلمين كل متطلبات نجاح العملية التعليمية، من بنية تحتية متكاملة، وخطط للطوارئ، وغيرها، لكنها لم تخل من تحديات واجهت أصحاب الهمم وممن لديهم صعوبات في التعلم، والذين لا يزالون بحاجة إلى جهد مضاعف للتأقلم مع «التعليم عن بُعد».
تقول والدة الطالب «أحمد رضا إبراهيم»: «توفير الوقت لمتابعة الأبناء مع وجود أكثر من ابن لي داخل المدرسة كان من أكبر الصعوبات التي واجهتها، وأصبحت المسؤولية ثقيلة ومضاعفة لدي، بسبب قيامي بدور معلم التربية الخاصة في المنزل لابني، في البداية كنت خائفة جدا مما سيحدث، لأن ابني يعاني من فرط الحركة وتشتت الانتباه والصمت الاختياري، الأمر كان صعبا في البداية، ولكني تلقيت الدعم الكافي، لأستطيع تجاوز هذه المحنة بنجاح».
وتضيف والدة الطالبة «هيام جميل عاشق»: «نواجه كأولياء أمور تحديا صعبا جداً، بسبب نقص الخبرة لدينا في آلية وطرق التعليم بشكل عام، وعدم المعرفة والإلمام بطرق التدريس لأصحاب الهمم بشكل خاص، فالموضوع ليس سهلاً ولكن علينا كأولياء أمور أن نواجه الأمر، ونكون عونا لأبنائنا في هذه المرحلة الحرجة».

  • رحاب بسيوني

تحديات
«واجهنا تحديات عديدة خلال التعليم عن بعد مع عدد من أصحاب الهمم»، تقول رحاب صلاح بسيوني، اختصاصية صعوبات تعلم، وتضيف: «على سبيل المثال الطلاب الذين يعانون من متلازمة «ارلن»، التي أحد جوانبها هو حساسية الضوء، والتي تؤثر على العملية الإدراكية الحسية، حيث يقوم الجهاز العصبي بترجمة المعلومات البصرية بشكل غير صحيح وهذه ليست مشكلة بصرية ولكنها تؤثر على الجانب الأكاديمي، ولكن لماذا أصبحت حالة «ارلن» أو متلازمة «ارلن» كما نقول معضلة في ظل التعلم عن بعد؟ لان متلازمة «ارلن» كما سبق وأشرنا تؤثر على العملية الإدراكية في حالة التعرض للشمس أو الضوء الساطع أو إضاءة النيون أو حتى إضاءة الشوارع، فكيف يمكن لطالب النظر بشكل مطول إلى الشاشة وحل الواجبات وحضور الدوام المدرسي الكامل وهو ينظر إلى مصدر قوي ومباشر للضوء؟!».
وتقول: «لم تكن هناك إمكانية لدى الطالب للحضور إلى المدرسة بسبب كورونا، لذا كان يتم بشكل يومي تجميع تسجيل الحصص إلى الطالب ليسمعها أكثر من مرة لكي تساعده في عملية تلقي التعليم، كما تم طلب ارتداء نظارة «ارلن» المساندة طول وقت الدوام المدرسي للتخفيف من حدة الضوء والتخفيف أيضاً من الحساسية الناتجة عنه، وتم تخفيف حدة الإضاءة من خلال إعدادات الجهاز الخاص بالطالب، كما تم تسجيل الطالب في حصص إضافية لتعويض ما قد يغفل عنه خلال حضور الحصص، فيتم من خلالها مراعاة احتياجات الطالب الأكاديمية ومراعاة حالته الخاصة».

  • لطفية بركة

تدابير
أكد القائمون على العملية التعليمية أن المدارس اتخذت عددا من التدابير وقوفاً إلى جانب هذه الزمرة من الطلبة، حتى يستطيع الطالب تلقي تعليمه بشكل مناسب، وهنا تقول لطفية سليم بركة، مديرة مدرسة الشعلة الخاصة: «قمنا بعمل خطة مرنة لدعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في مدرستنا، وشملت جزءا كبيرا فيما يخص عملية التكيف مع النظام الجديد (التعلم عن بعد)، وكان له عدة محاور، منها: تدريب الهيئة التدريسية على استخدام نظام التعليم عن بعد، والتصدي لعملية تكيف المعلم، خصوصا لهذا النوع من التعليم، وخصوصا في التعامل مع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وكيفية التعامل معهم أثناء الحصص الافتراضية ودعمهم وتنفيذ الخطة الفردية لكل طالب بأفضل الطرق»، مضيفة: «كما قمنا بالتركيز على ولي الأمر والذي شملته خطة التكيف، وخصوصا التركيز على أولياء الأمور من أصحاب الهمم، حيث تم عمل دورات تدريبية بالتعاون مع مراكز مختلفة لتدريب ولي الأمر على كيفية التعامل مع النظام التعليمي الإلكتروني في حالات أبنائهم، حيث تم تدريبهم على الاستفادة من النقاط الإيجابية الموجودة في نظام التعلم عن بعد واستخدام الأجهزة الإلكترونية (التابلت – اللاب توب) من نحو تجزئة المهام المحددة للطالب، وتحديد الهدف من خلال تلوينه بشكل مختلف ومميز يدركه الطالب بشكل أفضل، بالإضافة إلى استخدام طريقة تعدد الحواس من خلال استخدام القلم الإلكتروني في التأشير أو اللمس، والسماعات للجانب السمعي ثم المتحدث للجانب اللفظي».
وتتابع: «تم تدريب أولياء أمور الطلبة على تقنية مدروسة للاستفادة من التعلم عن بعد باستخدام التابلت والبرامج الإلكترونية بطريقة صحيحة، والرد على جميع الاستفسارات الخاصة، وكذلك عبر فتح قناة تواصل داعمة لولي الأمر مع الهيئة التدريسية بخصوص الدعم المستمر لهم في عملية متابعة أبنائهم في نظام التعلم عن بعد، وقمنا بالتركيز على تدريب الطالب نفسه على عملية التكيف مع النظام الجديد، تدريب الفئات الكبيرة، والأكثر وعيًا من الطلبة، بدءاً من الصف الثامن فأعلى على تقنية وتكنيكيات الاستفادة من التعلم عن بعد باستخدام التابلت والبرامج الإلكترونية بطريقة صحيحة، وشمل ذلك عمل عدة حصص توجيهية، وإرشادية للطلاب أصحاب الهمم أنفسهم للتوعية بالتعامل مع النظام الجديد، وأيضا إعطاء حصص إضافية لهم في الفترات المسائية لدعمهم في تحقيق أهداف البرنامج التربوي الفردي الخاص بهم».

  • منى اليافعي

مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
تشير منى عبد الكريم اليافعي، مديرة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، إلى وضع المدينة الحالي بعد أزمة كورونا، من حيث التعليم والاستعداد للفترة المقبلة، بأن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بدأت منذ مطلع العام الدراسي 2020 ـ 2021 باستقبال الطلبة أصحاب الهمم بشكلٍ تدريجي وفق أفضل الممارسات العالمية، بما ينسجمُ مع توجيهات وزارتي الصحّة والتربية والتعليم، وإدارة الكوارث والأزمات في الدولة، ومع اتخاذ جميع التدابير الوقائية حرصاً على سلامتهم وسلامة العاملين معهم.
وتقول: «حرصاً على سير العملية التعليمية والتربوية وضمان تلقي الأشخاص ذوي الإعاقة حقّهم في التعلم وفق الإجراءات الخاصة بالعودة الآمنة للطلاب، تمّ اختيار نظام التعليم الهجين ونظام التعليم عن بعد والتعليم المتزامن، بما يتناسب مع الاحتياجات الفردية ويتلاءم مع خيارات الأسر، ويحقق قدراً كبيراً من شروط العودة الآمنة للطلبة والموظفين، كما سعت المدينة في جميع أقسامها وفروعها إلى تنويع الأساليب المستخدمة في عملية التعلم، سواء من خلال الحضور الفعلي للطلاب ضمن الفصول أو تطبيق برنامج التعليم المتزامن عبر منصة المدينة الإلكترونية».
وتتابع: «لكي تكتمل الاستعدادات للعام الدراسي الجديد 2021 ـ 2022، شجعت المدينة جميع موظفيها البالغ عددهم623 موظفاً (باستثناء من لديهم حالات صحية خاصة) على تلقي لقاح كوفيد-19 كي تكون البيئة التعليمية مؤهلة بشكل كامل لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة وفق الإجراءات المعتمدة. وقد تجاوزت نسبة موظفي المدينة الذين حصلوا على اللقاح 80%، وهذه النسبة في ازدياد».
وتقول: «بالعودة إلى بدايات الأزمة، استعدت المدينة لمواجهة كوفيد-19 وفق خطة محكمة واستراتيجية متطورة لتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة عن بعد، عبر المنصات التعليمية والتدريبية التي وفرتها، بالإضافة إلى توظيف موقعها الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لضمان استمرارية التعليم والتواصل بين الاختصاصيين والطلبة وأولياء الأمور، ولم تتوقف المدينة أبداً عن تقديم الخدمات لمستحقيها حيث أصدرت منذ بداية الأزمة دليل استمرارية تقديم الخدمات ودليل العودة الآمنة والدليل الإرشادي للأسر، بما ينسجمُ مع احتياجات الأشخاص أصحاب الهمم وأولياء أمورهم، ثم بدأت باتخاذ التدابير الوقائية والاحترازية وأسَّست البُنية التحتية لكل العمليات الإدارية والمالية والتعليمية، ونفَّذت كلّ الإجراءات التي أقرّتها دولة الإمارات العربية المتحدة».
وفي إطار الخطة، أطلقت المدينة منصة التعليم والتدريب الإلكتروني، وبذلت الجهود التي مكَّنتها من ضمان نجاح هذه التجربة انطلاقاً من تدريب المعلمين وتحديد الأهداف وفق الخطط الفردية للطلبة، كما تمَّ إعداد الفيديوهات التعليمية والتدريبية الملائمة لكلّ إعاقة، حيث إنّ 724 طالباً، و 682 ولي أمر استفادوا من منصة المدينة للتعليم والتدريب في أقلّ من عام واحد، في حين تم نشر 1257 من الفيديوهات التعليمية، و580 من الفيديوهات الإرشادية و5934 هدفاً تربوياً تحت إشراف 266 معلماً واختصاصياً، كما شهدت 259 متابعة افتراضية لـ 141 طالباً مدمجاً في الحضانات والمدارس، وسجلت مشاركة 828 شخصاً في القافلة الصيفية الافتراضية الماضية، والتي اشتملت على (ورش تعليمية ومهنية افتراضية، أنشطة، وفعاليات مختلفة).

  • طارق إسماعيل

السياسة العامة لأصحاب الهمم 
يقول طارق شيخ إسماعيل الشيخ، مدير مدرسة المنارة الخاصة: «انطلاقا من السياسة العامة لأصحاب الهمم في دولة الإمارات العربية المتحدة، والسياسة الخاصة لمدرسة الشعلة الخاصة، تم استكمال برنامج الدعم لأصحاب الهمم في ظل نظام التعليم الإلكتروني، وذلك من خلال عمل جلسات فردية غير مباشرة مع الطلبة من خلال برنامجي (التيمز، وزووم)، وذلك حرصا منا كمؤسسة تعليمية على السياسة العامة للدولة في ظل الجائحة، وإن تطلب الأمر في مرحلة الروضة للقيام بعمل بعض الجلسات الفردية المباشرة مع الأخذ بعين الاعتبار جميع إجراءات الأمن والسلامة لهذه الجلسات، وذلك حرصا منا على استكمال عملية الدعم لهذه المرحلة».
ويضيف: «لقد أصبحت المسؤولية في ظل الجائحة ثقيلة على أولياء الأمور بسبب وجوب قيامهم بدور معلم التربية الخاصة في المنزل، إذ أصبحوا يتعاملون مع أبنائهم بصورة أكبر عن ذي قبل، حيث أصبح ولي الأمر في هذه الفترة هو المعلم الداعم لابنه المعاق أثناء اليوم الدراسي، وعليه يقع الدور الرئيسي لمعلم التربية الخاصة، مع محاولة تنفيذ أهداف قصيرة المدى لكل جزء من الخطة التربوية الفردية المعدة للطالب من قبل معلم التربية الخاصة، وتقييم كل هدف على حدة، فالمسؤولية ثقيلة جدا على ولي الأمر، وخصوصا أن ولي الأمر غير متخصص في ذلك، ولا يمتلك الخبرة والمقدرة».
ويشير إلى أن كثيرا من الطلاب من أصحاب الهمم يعانون مناعة ضعيفة، وكثيرا من أولياء الأمور عزفوا عن التعلم عن قرب (الحضوري) لهذه الأسباب خلال الجائحة، والتي غيرت نمط الحياة بوجه عام عند الطالب وولي الأمر، وأصبح هناك صراع مع الوقت لتوفير حاجات الأبناء من متابعة وحضور جلسات فردية وحصص إضافية، كل هذا مع صراع آخر لتلبية حاجات ولي الأمر في عمله هو كموظف في جهة ما، وهذا أكد أن نظام التعليم عن بعد مع أصحاب الهمم شكل تحديا كبيرا في هذه الفترة، حيث يتطلب الكثير من العصف الذهني في كيفية توفير بيئة تعليمية ملائمة لاحتياجات كل فئة من فئات أصحاب الهمم.

احتياجات
بينما تقول ياسمين إبراهيم سعد اختصاصية صعوبات تعلم: «إن نظام التعليم عن بعد لا يلبي جميع الاحتياجات الخاصة للطلبة أصحاب الهمم، فالبعض من الحالات تحتاج إلى التواصل بشكل مباشر مع الاختصاصي، وكذلك التفاعل مع الزملاء والأصدقاء داخل الغرفة الصفية، وجلسات فردية في غرف المصادر».

اهتمام
أولت وزارة التربية والتعليم أبناءها من أصحاب الهمم اهتماما بالغا انطلاقا من فلسفة مسؤولية المجتمع عن هذه الفئة وتنمية قدراتها، وقد أصبح ذلك واجبا محتما لا يقف عند حد الأسرة بل هو التزام لكافة أجهزة الدولة من خلال تضافر الجهود وتسخير الإمكانات لتلبية احتياجاتهم الطبيعية وأهمها التعليم.
وتصنف الوزارة فئة الطلبة من أصحاب الهمم، فهم من لديهم قصور ذهني أو جسدي أو حسي أو إدراكي أو سلوكي يؤدي إلى الحد في واحدة أو أكثر من المهارات والأنشطة الحياتية اليومية، والتي يصبح ضروريا معها تقديم خدمات التربية الخاصة والخدمات المساندة لتلبية الحاجات الفردية للطالب. حيث قامت الوزارة منذ 1979 بتقديم هذه الخدمات ودمج عدة فئات منهم في فصول التربية الخاصة في التعليم النظامي في الدولة. وبذلك يتم توفير فرص التعليم المناسبة لهم وإلحاقهم بالبيئة التربوية، وتزويدهم بالخدمات المناسبة لهم سواء على مستوى المدارس الحكومية والخاصة.

برامج  
كما تطرح وزارة التربية والتعليم عدة برامج تدريبية ومرافق تستهدف تلبية حاجات الأطفال أصحاب الهمم، وأولياء أمورهم، ومدرسي رياض الأطفال. وتشمل البرامج إرشادات للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والسمعية، وبرامج تحديد المواهب، والتعرف على لغة الإشارة للصم، واضطرابات اللغة التي يعانيها الأطفال.
وقد أنشأت الوزارة مراكز دعم لمتابعة وتقييم التقدم الذي يحرزه الأطفال أصحاب الهمم قبل وبعد الإدماج في المدارس. وتقدم هذه المراكز خدمات مختلفة تشمل التشخيص الفردي للطلاب أصحاب الهمم، وصعوبات التعلم، والتوصيات، ومساعدة أولياء الأمور في التعامل مع حالة الطفل، وتوجيههم إلى مصادر توفر لهم خدمات دعم مناسبة لحالة طفلهم.