خلفان النقبي (أبوظبي) 

يعد الإدمان الإلكتروني آفة تعصف بعقول بعض الشباب وتنهي طاقاتهم وقدراتهم وتسلب أرواحهم، فهي الخطر الذي يداهم الشباب وينتزع منهم التفاؤل بالحياة، ويجعلهم في دروب المآسي، وأمام التحديات التي أفرزتها الآفة والأساليب التي تتبعها العصابات الإجرامية، تقف الجهات المعنية بالمرصاد وتتصدى للمخاطر والآثار، ونظراً لتعامل الإنسان مع وسائل التكنولوجيا الهائلة، فمن الطبيعي أن يصاب بالإدمان، بداية بالتلفاز وألعاب الفيديو، مروراً بالهاتف الذكي وأجهزة الحاسوب، ونهاية بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل: إنستغرام وتويتر وسناب شات، حيث أصبح الإدمان الإلكتروني حالة مرضية حديثة تطفو على سطح حياتنا، وتؤثر على مجرى الحياة بشكل كلي.  ودعا عدد من الخبراء والمتخصصين إلى ترشيد تعرض النشء والشباب للأجهزة الإلكترونية، وأكدوا في لقاءات مع «الاتحاد» على ضرورة تعزيز اكتشاف المواهب ورعايتها، بما يتيح للنشء توزيع الوقت واستثماره بطريقة فعالة وآمنة بعيداً عن «الإدمان الإلكتروني».

اضطراب الألعاب الإلكترونية 
وفي البداية أكد المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، أنه وفق الإصدار الحادي عشر من التصنيف العالمي للأمراض الصادر عن منظمة الصحة العالمية، يُعرَّف اضطراب الألعاب الإلكترونية بأنه نمط من السلوكيات التي تتميز بضعف التحكم في ممارسة اللعب بالألعاب الإلكترونية أو ألعاب الفيديو وزيادة الأولوية التي تعطى للعب على الأنشطة الأخرى إلى حد يجعل هذا النمط يتصدر سائر الاهتمامات والأنشطة اليومية ومواصلة ممارسة اللعب أو زيادة ممارسته بالرغم مما يخلفه من عواقب سلبية. وأشار إلى أنّ إدمان الألعاب الإلكترونية يسبب آثاراً وأبعاداً اقتصادية واجتماعية متنوعة، وتتمثل في زيادة العبء على وحدات الرعاية الصحية النفسية والأسر التي يصبح أحد أفرادها أو أكثر مصاباً بإدمان الألعاب الإلكترونية، الأمر الذي يشكل تحدياً في جانب توفير الرعاية النفسية والشخصية اللازمة له، والدعم الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في حال تأثير حالة المصاب على إنتاجيته في العمل ودخله المادي. وأضاف المركز: وفي هذا الوقت يعمل المركز الوطني للتأهيل على توعية المجتمع بمخاطر هذا الاضطراب من خلال حملات التوعية والندوات التثقيفية، كما أننا نعمل على استكمال الإجراءات المتعلقة بتدشين خدمات وقائية، علاجية وتأهيلية متكاملة من خلال كوادر مؤهلة لعلاج هذا الاضطراب في عيادة متخصصة بعلاج إدمان الألعاب الإلكترونية.
 
تشخيص وعلاج وتأهيل 
وقال المركز الوطني للتأهيل: لقد حرصنا في المركز منذ وقت مبكر على تطوير قدرات فريقنا الطبي والنفسي، بما يمكنهم من تشخيص وعلاج وتأهيل أي اضطراب ومرض يتعلق بالإدمان، نظراً لما يشهده عالمنا الحالي من تطورات تقنية هائلة. ويمكن للذين يعانون من هذه الاضطرابات طلب الاستشارات المتخصصة من المركز عبر القنوات المخصصة لذلك، سواء عبر الاتصال بالرقم 8002252 أو زيارة الموقع الإلكتروني للمركز www.nrc.gov.ae أو قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بنا. وأضاف المركز: تستند جهودنا للتعامل مع مرض الإدمان بكافة أنواعه على العامل الاستباقي المتمثل في رفع مستوى الوعي العام والوقاية المجتمعية، حيث نحرص على نشر رسائلنا التوعوية وإيصالها بكافة الطرق المتاحة واللغات والأساليب للجمهور المستهدف، وإزالة الجمود المحيط بوصمة العار المجتمعية بصورة تسهم في نجاعة العلاج وتحقيق التعافي، وفي الوقت ذاته، نحرص على تطوير أدوات العلاج المتاحة حالياً والتي تؤدي دوراً محورياً في صناعة التعافي، وتحسين مستويات وآليات إعادة الدمج المجتمعي الصحيح للمتعافين من مرض الإدمان والتي تعد من أبرز أدوات تحقيق التعافي طويل الأمد. ونصح المركز بأن المتابعة الحثيثة والصحيحة هي القاعدة الأساسية الواجب على الأهالي اتباعها لحماية أبنائهم من إدمان الألعاب الإلكترونية وغيره من المشاكل الصحية الأخرى. وعلى الرغم مما فرضته علينا الجائحة من تسريع للتحول الرقمي في مختلف مساراتنا الحياتية، خاصة تلك المرتبطة بالتعليم، إلّا أن تحديد أوقات معينة لاستخدام الأجهزة الإلكترونية من هواتف ذكية وألعاب هو أمر أساسي، مع إثراء أوقات الأطفال والمراهقين بالأنشطة الحركية والرياضات الداخلية والخارجية كي تنجح في المحافظة على وقتهم الثمين واستثمار طاقاتهم الكامنة وتطوير مهاراتهم الابداعية بعيداً عن الشاشات، الأمر الذي من شأنه أن يعزز صحتهم البدنية والنفسية.

الإدمان الرقمي 
ومن جهته أكد أحمد حمد بوشهاب، عضو المجلس الوطني الاتحادي: يعتبر الإدمان الرقمي آفة من آفات هذا العصر، إذ جعل الكثير من الأبناء في عزلة شعورية وجسدية عن أفراد العائلة، وجعلهم في عالم افتراضي مغلق، لدرجة أنهم يتحدثون ويتواصلون مع بعضهم بعضاً باستخدام مواقع التواصل وهم داخل المنزل. وبما أن إدارة معظم الأنشطة اليومية أصبحت معتمدة على استخدام الأجهزة الذكية والإلكترونية، وذلك يرجع لسهولتها ولتنوع أغراض استعمالها، ودورها في تنمية المهارات الشخصية، إلا أنه لا يمكن إغفال مخاطر الإدمان على وسائل التواصل والاستخدام دون وعي وتقنين وتوازن.
 
الانفصال الأسري والمجتمعي 
وأشار إلى خطورة الأضرار المترتبة على الإدمان الإلكتروني على الصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية، حيث يعرض الإدمان الإلكتروني، خاصة الأطفال والمراهقين، إلى خللٍ كبير في علاقاتهم الاجتماعية، فينتج عنه الانفصال الأسري والمجتمعي، وتراجع مستواهم الأكاديمي، ووقوعهم ضحايا الاحتيال والابتزاز، ويعرّضهم إلى صعوبة كبيرة في التأقلم مع الحياة الطبيعية، الأمر الذي قد ينمّي لديهم شخصية افتراضية منفصلة عن الحياة الواقعية، مما يولّد الكثير من التحدي والعنف والتوتر، وعدم التوافق والانسجام مع المجتمع. مما يدعونا إلى مضاعفة جهود التوعية بمخاطر هذا المرض الرقمي الجديد، وتقع علينا نحن كأولياء أمور مسؤولية تقليل وتنظيم ساعات استخدامه، ومشاركة الأبناء وتشجيعهم على ممارسة الأنشطة الأسرية العملية والاجتماعية، وتفعيل لغة الحوار الأسري والتواصل الفعلي، وزيادة الثقة المتبادلة والإشباع العاطفي والاجتماعي وتشجيعهم على المصارحة، ولابد من أنشطة أسرية مشتركة كالتطوع المجتمعي، ومساعدة الغير، والزيارات الاجتماعية، وهذا ما يجعل الأسرة هي الحضن الدافئ ومصدر المعلومة، وسياج حماية لأثمن ما نملك.
وقدم بوشهاب، النصيحة للآباء والأمهات بمتابعة الأبناء والاكتشاف المبكر لإدمان الإنترنت، بهدف تجنب الأطفال والمراهقين الوقوع في تداعيات الإدمان الإلكتروني الذي يتسبب في العديد من المشكلات الاجتماعية والسلوكية التي تسبب الضغط النفسي على الإنسان، حيث إن الأسرة يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في حماية أفرادها، من خلال تنظيم الوقت والتشجيع على ممارسة الرياضة والاستخدام الآمن للإنترنت، حتى لا يدخلوا فيما يسمى بالإدمان الإلكتروني.

 
العزلة الاجتماعية
وقالت شذى علاي النقبي، عضو المجلس الوطني الاتحادي: الإدمان الإلكتروني يعتبر حالياً آفة أوجدتها متطلبات الحياة التي تعتمد بشكل شبه كليّ على التقنية الحديثة، ومن ثم فإن الإنسان مجبر بصورة أو بأخرى على التعامل مع الوسائل الإلكترونية في نواحي حياته، وفي رأيي غير المتخصص أن الإدمان الإلكتروني هو ارتباط الشخص بالإلكترونيات الحديثة والإنترنت حتى أصبح الجزء الرئيسي من حياته، فلا يمكنه التخلي عنه إلا في أوقات نومه. 
وأضافت أن هذا الارتباط الشديد بالإلكترونيات الحديثة من هواتف ذكية وإنترنت وآي باد وحواسيب آلية، يخلِّف آثاراً وأضراراً متعددة على الشخص، في كافة الجوانب المعيشية والصحية، منها التأثير السلبي على صحة العيون والاضطراب السلوكي والإنهاك البدني من السهر الناتج عن المداومة على الإنترنت لساعات طويلة من الليل، إضافة إلى استهلاك مالي كبير يضاف إلى ميزانية الأسرة، فضلاً عن العزلة الاجتماعية التي يعيشها الشخص بسبب الإدمان الإلكتروني. 
وأوضحت النقبي أنه بحكم عملها عضواً في المجلس الوطني، فإنها تقضي عدداً من الساعات مع الوسائل الإلكترونية الحديثة، مؤكدة أنها تحاول الموازنة بين هذا التواصل وبين حياتها كزوجة وأم تضطلع بشؤون أسرتها وبيتها بشكل دقيق، وتتابع طفلتيها في دراستهما. وذكرت أن الأطفال الآن أصبحوا أكثر استخداماً لوسائل التواصل الحديثة، لذلك فإنها تحدد ساعتين أو ثلاثاً لطفلتيها لاستخدام هذه الوسائل، مؤكدة أنها تحاول ألا تزيد على هذه المدة، وذلك حتى يتوافر الوقت للدراسة واللعب والتواصل العائلي والنوم لفترات مناسبة. ودعت النقبي الأسر إلى ضرورة تحديد أوقات معينة في اليوم، يتخلى فيها الجميع عن وسائل التواصل الحديثة، للتواصل الشخصي مع الآخرين، إضافة إلى ضرورة متابعة الأطفال أثناء تعاملهم مع الإنترنت والأجهزة الحديثة، حمايةً لهم من التأثيرات السلبية لما يُبث من محتوى سلوكي وأخلاقي سيئ. 

تعزيز التوعية لدى الوالدين 
قال أحمد الصرومي «ولي أمر»: أصبحت الحياة مختلفةً تماماً عما كانت عليه خلال العقد المنصرم، فقد تحولت حياة الأطفال من اللعب واللهو في فناء المنزل أو في الهواء الطلق إلى شاشة إلكترونية سحرت كل من رآها، من منا كان يتوقع بأن تعج المنازل بالأطفال ولكن لا يصدر لأي منهم أي صوت؟ فقد حدّقت الأعين في تلك الشاشات التي أسرت قلوبهم وعقولهم وأخرست ألسنتهم، وعلى الرغم من الهدوء والسكينة التي تعم المنازل تظهر مشاكل تلوح بالأفق مؤثرة سلباً وبشكل شديد على الأطفال، فقد انتشرت البدانة بين الأطفال، ضعف النظر، كَثُرَ التوحد، العصبية المفرطة، تأخر النطق وغيرها من الأمراض الجسدية، إضافة إلى انقطاع الحديث والتواصل بين الأطفال وذويهم، حيث يقضي الطفل جل وقته منغمساً في الشاشات الإلكترونية رافضاً الانقطاع أو الابتعاد عنها، وهنا يتوجب الانتباه والتركيز من قبل الوالدين لهذه المشاكل الناجمة والتي قد لا تظهر إلا بشكل متأخر ولكن بصورة قوية ومتجذرة في شخصية الطفل. إضافة إلى أهمية تعزيز التوعية لدى الوالدين بأن النشاط المفرط أو المشاغبات التي قد يتسبب بها الطفل في المنزل يتوجب معالجتها بالطرق الصحية والصحيحة عوضاً عن اللجوء إلى إعطاء الطفل للأجهزة اللوحية لتسكينه وتهدئة مشاغبته، حيث ينتج عن ذلك في كثير من الأحيان الأضرار التي تم ذكرها مسبقاً والفشل في تهدئة الطفل وتسكينه بأي طرق أخرى لتمسكه وتعلقه بالأجهزة اللوحية عوضاً عن طرح حلول أخرى معه.

الإرهاق والتوتر والقلق 
وأوضح حاتم أبوناب «ولي أمر»: يعد الإدمان على الإنترنت نوعاً جديداً من أنواع الإدمان، يستخدم فيه الشّخص المدمن الإنترنت بشكل يوميٍّ ومفرطٍ، حيث يتعارض مع حياته اليوميّة ومع الواجبات اتجاه أسرته وأصدقائه ومع الوظائف التي عليه القيام بها، ويسيطر هذا الإدمان سيطرة كاملة على شخصية المدمن وعلى تصرفاته، كما أن المدمن يجعل الإنترنت وعالمه أهم من العائلة، والأصدقاء، والعمل، ممّا يؤثر تأثيراً سلبياً عليه. كما يعاني مدمن الإنترنت من مجموعة من الأعراض من بينها الآلام في الظهر والعينين وتلك الهالات السوداء حولها والسمنة وآلام الرسغ وقلة ساعات النوم والتعب والإرهاق والتوتر والقلق، وفي الواقع هناك العديد من الشخصيات المعرضة للإدمان من الكبار والصغار، لكن أكثر هذه الشخصيات هم الصغار غير الناضجين فهم الأكثر تأثيراً والأكثر إدماناً. وأضاف أبوناب، أن هذا الجيل القادم هم الأكثر استخداماً للإنترنت ولوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، وتقع المسؤولية والعبء الكبير على عاتق الأسرة في السيطرة على أطفالهم وإبعادهم عن هذا الإدمان، ويجب توفير العديد من السبل الترفيهية والتعليمية البعيدة عن الإنترنت والأجهزة الإلكترونية، ويجب تحديد الوقت المسموح للأطفال في استخدام الإنترنت أو الألعاب الإلكترونية لأن كثرة استخدام الإنترنت للأطفال يخلق عند الطفل مشكلات أخلاقية، ومشكلات تعليمية: وتتمثل في: انخفاض المستوى التعليمي وانخفاض مدة المذاكرة اليومية، فعلى الأسرة التوجه لتعليم أطفالهم أهمية الرياضة وتخصيص أوقات لممارسة الرياضة مع أطفالهم، كما يجب تخصيص الوقت لقراءة الكتب وبعض الصحف لكي يبنى جيل مثقف ومتعلم، وبعيد عن الإنترنت. صحيح أن الإنترنت سهل لنا العديد من أمور الحياة مثل التواصل مع الآخرين، حتى لو كانت المسافات بعيدة، وأيضاً سهل بعض المعاملات في الجهات الحكومية، ولكن مع كثرة استخدام الإنترنت تصبح المنفعة مضرة للمستخدم.

ساعة واحدة فقط 
وأضاف الصرومي: وهنا نذكر بعض الحلول التي من شأنها تقليل الأضرار الناجمة من الإدمان الإلكتروني، ألا وهي عدم توفير الأجهزة اللوحية والبقاء للعب على الإنترنت بشكل دائم، فيسمح للطفل بقضاء ساعة واحدة خلال اليوم فقط حفاظاً على تركيزه وانتمائه للبيئة المحيطة في المنزل وأفراده، وأما في العطلات فلا بأس بأن تكون ساعتين لا أكثر، كما يجب علينا أن نقوم بمراقبة وتحديد كل ما يمكن للطفل رؤيته لنتمكن من الحفاظ على جيل واعٍ وواعد والانتباه من أن ينخرط الأطفال في محتوى قد لا يناسب الفئة العمرية، الثقافة والتربية الدينية والأخلاقية. إضافة إلى منع استخدام الأجهزة اللوحية خلال أوقات وجبات الطعام وساعات جلوس أفراد الأسرة مع بعضهم البعض وذلك للحفاظ على الترابط الأسري وتقوية التواصل بين الأطفال وأفراد الأسرة، وضرورة قطع استخدام الأجهزة اللوحية وقت الفراغ للأطفال فوراً حين ملاحظة الوالدين لانغماس الطفل في الأجهزة ورفضه مشاركة الحديث والتواصل مع أفراد المنزل. وأشار الصرومي: كما ينصح بتخصيص جدول يومي وأسبوعي للنشاطات الخارجية، سواء في فناء المنزل أو خارجه، لتعزيز استيعاب الأطفال للأنشطة التي يمكن ممارستها والاستمتاع بها جسدياً وفكرياً بدلًا من استخدام الأجهزة اللوحية كوسيلة الترفيه الوحيدة، حيث يتوجب توعية الطفل لكافة النشاطات والألعاب التي يمكن ممارستها والاستمتاع بها سواءً في المنزل أو خارجه، حتى لا يرتبط فكر الطفل اللاواعي بأن وسيلة الترفيه الوحيدة التي يتطلع إليها دائماً للاستمتاع هي قضاء الوقت على الأجهزة اللوحية والإنترنت.