إبراهيم سليم (أبوظبي) انطلقت، اليوم، في أبوظبي أعمال المؤتمر الدولي الثاني لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، تحت شعار «الدراسات الإسلامية في الجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش»، بحضور معالي الشيخ عبد الله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ومعالي الدكتور حمدان مسلم المزروعي رئيس مجلس أمناء جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ومشاركة نخبة من العلماء والخبراء والأساتذة من داخل الدولة وخارجها، ويتناول المؤتمر، على مدى ثلاثة أيام، ستة محاور، تتضمن: الدراسات الإسلامية.. الرؤية والمضمون، الدراسات الإسلامية ومناهج البحث والتدريس، إعادة بناء العلوم الإسلامية في الجامعات العربية، الدراسات الإسلامية وتكامل المعارف، الدراسات الإسلامية، وتعزيز قيم التعايش والمواطنة، الخطاب الديني والمجتمع.
وخلال كلمته في افتتاح أعمال المؤتمر، أكد معالي الشيخ عبد الله بن بيه أهمية المحاور التي يناقشها المؤتمر في تعزيز قيم المواطنة والتعايش، من خلال مناهج الدراسات الإسلامية في الجامعات، مشيراً إلى أن المؤتمر يؤسس بجدّية مواضيعه وجدّة تناوله، وجودة مخرجه لتقليد علمي كبير في دولة الإمارات والمنطقة جمعاء، وأضاف: «إن المشاركين يجمعون بين الرسوخ المعرفي والفكري المشهود والتّجربة العملية والأكاديمية الرصينة؛ لذلك يعول عليهم في إنجاح المسعى على ما تجود به أفكارهم السديدة ومقترحاتهم المفيدة».
وقال ابن بيه: «إن الدراسات الإسلامية كان منبتها في أوروبا، وظهرت في القرن التاسع عشر على يد زمرة من المستشرقين لدراسة الإسلام من منظور مغاير للمنظور اللاهوتي الجدلي الذي كان سائداً قبل، ومن ثم فقد كان يرنو إلى معرفة علمية شاملة لكل ما يتعلق بالإسلام ديناً وحضارة وأمماً وثقافة وفناً ولغات، بل بكل ما أنتجه الإسلام والمسلمون سواء معرفة أو ممارسات أو أنماطاً ثقافية أو تاريخاً، وكذلك واقع الحضارة الإسلامية واستشراف مستقبلها وآفاق تطورها». وأضاف: «هذا المفهوم الذي طبع المجال في أصله عند الغربيين، لم تحتفظ به الجامعات في العالم الإسلامي، وإن احتفظ بعضها بالاسم، وقصدت به تدريس العلوم الإسلامية من شريعة وعقائد، أو ما أسماه بعض العلماء بعلوم الشرع والعلوم الشرعية، فأما علوم الشرع فهي الكتاب والسنة والتفسير والفقه، وأما العلوم الشرعية فهي المضافة إليها كاللغة والنحو وأصول الفقه والبلاغة والمنطق وغيرها من العلوم».
المطلب التجديدي وفيما يتعلق بالاحتياج إلى تطوير الدراسات الإسلامية وتجديدها، قال ابن بيه: «ينطلق المطلب التجديدي في الدراسات الإسلامية من الوعي بما تتهم به بعض المناهج التربوية الدينية من المسؤولية في انتشار التطرف والثقافة المأزومة، سواء تعلق الأمر بالبرامج أو بالكتب أو بالمربي نفسه». وتابع: إنه لا بد من إعادة النظر في هذا المنهاج، فالإنسان في مثل هذه الأجواء المضطربة، إذا لم يزوّد برواية صحيحة وصلبة للدين، مأخوذة من الجهات الموثوقة وداخل المحاضن المؤسّسية المأذونة شرعاً، فإنه لا محالة سيستقي من مصادر غير متخصّصة، قد تكون الأندى صوتاً والأكثر دعاية، فتقوده إلى الغلوّ والتطرف، وغيرهما من أدواء وأمراض العصر الخطيرة، لكنّ ذلك لا يعني إلغاء البرامج، واتهامها جملة وتفصيلاً، واتخاذ منحى التطرف الآخر، بل يقتضي الإصلاح بصفة فيها من الحكمة والعمق، ما يمكن أن يصلح ما أفسدته يد التطرف والجهل الذي هو أساس كل المشاكل.
مستجدات العصر وقال: إن من موجبات الإصلاح والتجديد ما نشاهده من انكماش مساحة الاجتهاد الفقهي، وما نتج عنه من عجز عن مواكبة مستجدات العصر في المعاملات وضحالة في الإنتاج الفكري، فكل هذا يبرر إجراء عمليات جراحية كبيرة، إن صح التعبير، لمناهجنا ولتعليمنا، مؤكداً أن إصلاح التعليم لا يمكن إلا أن يكون بعقليات متفتحة واعية بعصرها وفي الوقت نفسه متجذرة في تاريخها؛ لأن الإصلاح التجديدي ينطلق من أساس شرعي يسعى إلى المصالحة والمواءمة وإلى تبرير الدين بالعقل، وتحرير العقل بالدين.وحول كيفية تطوير الدراسات الإسلامية، قال معاليه: «إن مادة الدراسات الإسلامية هي شجرة المعارف الإسلامية التي نبتت على ضفاف بحر الكتاب والسنة، وامتدت دوحتها الوارفة لتظلّ جميع مناحي الدّين، في شبكة من العلوم والفنون المتكاملة، والمتساندة، منها اللصيقة والأقرب نسباً كالفقه والتفسير، ومنها أخرى هي وسائل للأولى كأصول الفقه الخادم للفقه والبلاغة الخادمة للإعجاز، بل وعلوم خادمة للعلوم الثانوية، كالمنطق الخادم لعلم الكلام، وما انضاف إلى علم الكلام من الفلسفة التي هي منبته أو محاوره». وأضاف معاليه: إن العلوم ظهرت تباعاً، متدرّجة، بحسب بما اقتضاها من مستجدات، فمبنى مسيرة العلوم على أوضاع تجدّ ومواضيع تنشأ، فعلم أصول الفقه بدأ في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري مع الإمام الشافعي، وعلم النحو بدأ في القرن الأول مع أبي الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد، وعلم البلاغة بدأ مع الجرجاني.. وهكذا، فكلها علوم نشأت عن الحاجة. وقال ابن بيه: إن الحال اليوم يدعو إلى الانفتاح على العلوم الإنسانية، وقد كان العالم يجمع بين علوم الطبيعة وعلوم الشريعة، فالمازري الإمام كان فقيهاً طبيباً، وابن رشد الحفيد كان فيلسوفاً طبيباً فقيهاً، وابن خلدون كان فقيهاً وعالم اجتماع ومؤرخاً. وأشار إلى أن الاختزال في المعارف أدى إلى حالة من ضيق الأفق والظاهرية والحرفية والعجز عن مواكبة العصر والانفتاح على المكتسبات الإنسانية الثقافية والفلسفية وعن التسامح، وهي صفات يجب أن يتكون الطالب على نقيضها، فبدلاً من الظاهرية يتكون على المقاصدية، وبدلاً عن الانغلاق والتقوقع ينفتح على العصر ويواكب مستجداته.
تطوير الدراسات الإسلامية من جانبه، أكد معالي الدكتور حمدان مسلم المزروعي، أن المؤتمر ينعقد في سياق الحاجة إلى تطوير مجال الدراسات الإسلامية في مختلف المعاهد والمدارس، لا سيما في الجامعات التي تمثّل مرحلةً متقدمة من مراحل التعليم، وذلك لما نراه من مشكلات فكرية وإشكالات علمية قد تعترض هذا السبيل، وينبغي أن تواجه بالعلم الشرعي الرصين والمعرفة الإنسانية والاستفادة من الخبرات والتجارب. وقال: إنّ جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تسعى، من خلال هذا المؤتمر، إلى الاستفادة من المتخصصين من ذوي العلم على توليد الأفكار وبناء المعارف، والاستفادة من التجارب المتراكمة والرّؤى المتسلسلة، في سبيل الوصول إلى نتائج عملية، من شأنها أن توجد حلولاً واقعيّةً وأدويةً ناجحة تقدم رؤية وطنية وحضارية وأخلاقية للدراسات الإسلامية في الجامعات، فكم نحن بحاجة إلى مخرج وطني يحمل علماً شرعياً رصيناً، يعيش مع هموم مجتمعه، وينتج خطاباً وطنياً وأخلاقياً يراعي فيه واقعه وزمانه. وأشار المزروعي إلى أن الدراسات الإسلامية في الجامعات اليوم من شأنها أن تعزز دعائم الدّين السّمح في المجتمعات، وينبغي أن تكون على مستوى البحث والتعليم والتدريس منارةً يهتدي بها أبناء الوطن في تعزيز روابط المواطنة الصالحة والمحبة والأخوة والتعايش بين البشرية، وأن تكون المكان الفسيح الذي يصون المعرفة ويحفظ عهدها، وأن تكون الحصن الحصين في تعزيز المواطنة والتعايش، ودحر الأفكار الهدّامة، ومفاهيم أهل الغلوّ والتطرف والإرهاب، وذلك من أجل أن يشعّ نور القيم والاعتدال على أبناء الجيل الحاضر والأجيال القادمة ليكونوا قدوة في تنمية الأوطان والسّموّ بها إلى العزة والرّفعة والرقيّ.
الإبداع والتميز وأضاف: «في هذا السياق - وحرصاً من قيادتنا الرشيدة على رؤية أبناء الوطن من أصحاب الدرجات العليا علماء وباحثين ومفكّرين، يعيشون الحاضر بواقعية، ويدركون المستقبل متطلعين إلى الإبداع والتميز والابتكار- تبذل جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية جهوداً على المستويين المحلي والدّولي، تمثّلت في استحداث أول بكالوريوس من نوعه في التسامح والتعايش، وأول بكالوريوس في الفلسفة والأخلاق مستوى الشرق الأوسط، وذلك من أجل تعزيز الدراسات الإسلامية، وربطها بالعلوم الإنسانية حرصاً على تحقيق مبادئ التكامل المعرفيّ الذي أصبح ضرورةً فكرية وعلمية للنهوض بالخطاب الديني، كما تعالج الجامعة المفاهيم الفكرية والدينية التي حرفت على غير مقصدها وغايتها، فسعت الجامعة إلى تقديم نظرة تجديدية دقيقة حول هذه المفاهيم لتبني ثقافة الرحمة، وتعزز من روح المواطنة الصالحة». وأشار إلى أن الجامعة قامت أيضاً باستحداث موادّ ومساقات تتضمّن جملةً من القضايا الراهنة التي ترتبط بالواقع، كمساق المدخل إلى التسامح والتعايش، والسّلم والمواطنة والتعايش، والمرأة في الحضارة الإسلامية، وتحليل النصوص الشرعية، وفهم النصوص الشرعية، والقيم الكبرى، ونصوص التعايش من القرآن والسنة ومساقات في الذكاء الاصطناعي والواقع المعاصر. وقال المزروعي: إنّنا نتطلّع إلى أبحاثكم وما ستقدّمونه من الموضوعات المطروحة للمناقشة والمباحثة في هذا المؤتمر، وما ستتناولونه في جوهرها من مشكلات تعليمية وتربوية وبحثية أساسية، وما ستقدمونه من أفكار جديدة لتطوير الدراسات الإسلامية في الجامعات، وتعزيز روح المواطنة والتعايش في البرامج الأكاديمية بكليات الدراسات الإسلامية والشريعة والعلوم الإنسانية.
العلوم الدينية ومن جانبه، أكد معالي الأستاذ ضمير محيي الدّينوف، النائب الأول لمفتي روسيا ومدير مركز الدراسات الإسلامية في جامعة سانت بترسبورغ بروسيا، بأنه رغم الظروف التي مرّ بها المسلمون في روسيا خلال فترات من التاريخ؛ إلا أنهم لم يتخلّوا عن دينهم وعن مبادئهم، بل ساهموا في تطوير تدريس العلوم الدينية، وخلق مؤسسات تعليمية لهذا الشأن، أسهمت في تحقيق الاندماج داخل المجتمع الروسي. وقال معالي الدكتور أحمد بن سالم العامري، رئيس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية: «يتطلب تدريس برامج الدراسات الإسلامية العمل على تنقيتها من كل دخيل قد يشوش على الهوية والانتماء، وتطوير برامجها ومراجعتها بما يواكب مقتضيات العصر». وأكد أن الجامعات من أهم المؤسسات التي تعنى بتعزيز الانتماء الوطني وغرس مفاهيم الاعتزاز الوطني في مناهجها وبرامجها، وتؤكد على الهوية الوطنية في مواجهة نزعات التطرف والعنف.
المناهج والبرامج من جانبه، أكد معالي الدكتور عبد اللطيف بوعزيزي، رئيس جامعة الزيتونة بتونس، أن الهم الأكبر للباحثين، والشغل الشاغل للدارسين، هو تطوير المناهج والبرامج والبحث العلمي بالجامعات التي تدرّس الدراسات الإسلامية، وذلك للخروج بها من غمرة الذبول والتقليد إلى مصافّ البرامج التي تواكب وقائع العصر، مشيراً إلى أن أكبر عقبة تعترض مجال البحث في الدراسات الإسلامية هي دورانها حول نفسها واجترارها لقضايا سبقها الزمان.
تحفيز الطلبة وأفاد معالي الدكتور خالد الساقي، مدير معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية بالمملكة المغربية، أن الطالب ذروة سنام العملية التعليمية، والأستاذ الحاذق هو الذي يحسن تحفيز الطلبة بكل الوسائل، ويشجع الطالب على العمل داخل الفصل وخارجه، دون الخوف من الخطأ، الذي لا يعد عيباً، بل هو علامة على الذكاء؛ لأنه يدل على استعمال الأدوات والوسائل للوصول إلى النتائج. وأضاف الدكتور الساقي: من أكبر عثرات التعليم الجامعي، اعتقاد الأستاذ أنه هو قطب رحى العملية التعليمية، متناسياً بذلك دور الطالب وأثره فيها، مما ينعكس سلباً على ثمرات التحصيل العلمي.
الجودة والاعتماد من جانبه، قال فضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر الشريف، خلال مخاطبته لأعمال المؤتمر: إن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وفقت في اختيار موضوع المؤتمر لحاجته الملحة في وقتنا الراهن، وما يحمله من مضامين وما يتوقع منه من مخرجات، خاصة في ظل اتجاه الجامعات والمؤسسات التعليمية في العالم نحو تطوير رؤاها، وتحديث مناهجها، وسعيها نحو نظم الجودة والاعتماد، وإدخال التكنولوجيا ومعطياتها في الحياة.وأضاف: «إن من أهم ما يميز الفكر والدراسات الإسلامية أنها ليست محددة بعصر معين ولا بزمن مخصوص ولا مكان معين، أو شعب أو بطبقة ولا تخاطب القلب دون العقل، بل تمتاز بالشمول، وتخاطب كل الأمم والشعوب والأجناس، وتربي القلب والعقل معاً وتصلح الدنيا والآخرة»، وقال: إن من أهم التحديات التي تواجهها الدراسات الإسلامية اليوم ليس في قدرتها على إيصال رسالة الإسلام الخالدة، كما أراد الله تعالى، وإنما في مواجهة ما يمكن أن نسميه الصراع على الإسلام، ما بين اتجاه يعنى بالدراسات الإسلامية على طريقة خاصة ووفق منظور معين دون حيادية أو موضوعية، وما بين اتجاه آخر هو أشد وطأة على علوم الإسلام من سابقه، ويتنكر للدراسات الإسلامية نفسها ويراها عبئاً على المجتمعات، ويحاول استيراد نموذج معرفي غريب عن نظامنا المعرفي الإسلام، يوقع الناس في استلاب فكري وانهزام حضاري. وأكد الضويني أن تطوير المناهج الإسلامية ورؤاها والاستفادة بمستجدات العصر ومعطياته، أصبح من الضروريات الواجبة شرعاً؛ لأن مقاصد الدراسات الإسلامية توجب هذا، فضلاً عن التنافس الفكري والتسابق الحضاري الذي يحاول فيه كل فريق أن يجذب غيره إليه، وهو ما يحتم استعمال التقنية والوسائل الحديثة في مجال الدراسات الإسلامية في الجامعات.
شوقي علام: الدعوة إلى التجديد تنطلق من التأسيس لثقافة العيش المشترك
أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام - مفتي جمهورية مصر العربية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن «قضية الأصالة والتجديد من القضايا التي فرضت نفسها بقوة على الساحة العلمية والفكرية، كما أنها من القضايا التي حدث فيها كثيرٌ من التلبيس؛ فظن البعض أن تجديد الخطاب الديني يعني تغيير ثوابت الدين الإسلامي وأصوله لجعل الإسلام متلائماً مع ظروف العصر، وليس الأمر كذلك؛ فالثوابت الإسلامية كأساسيات العقيدة ومواضع الإجماع اليقيني المستند إلى النصوص الشرعية فيما ليس للعقل فيه مجال لا تقبل التغيير». وأوضح فضيلة المفتي، أن أحكام الفقه ممّا يتعلّق بمقاصد الشريعة في العبادة والعمران، ويختلف باختلاف الحال والزمان والمكان، وكذلك وسائل الدعوة إلى الإسلام وتبني المناهج والوسائل العلمية والعملية الحديثة فيما يتعلق بعلوم الشريعة ونقلها وتوثيقها وتدريسها، فإن ذلك كله مناطٌ للنظر والتجديد؛ فالتجديد إذن لا يعني هدم التراث والتخلي عن الثوابت والمبادئ العامة التي تحكم إسلامنا، وإنما الاستفادة من التراث الإسلامي والبناء عليه لمواجهة قـضايا العصر الأساسية.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها خلال فعاليات المؤتمر الدولي «الدراسات الإسلامية في الجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش»، والذي تنظمه جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية. وأضاف فضيلته، أننا إذا نظرنا إلى معنى الأصالة والمعاصرة، نجد في الأصالة حفاظ الأمة على شخصيتها وذاتيتها التي كوّنتها الأحداث والأجيال الطويلة، ونجد في المعاصرة استفادة الأمة بعلوم حاضرها وتفاعلها مع قضايا الواقع المتغير، مؤكداً أن مفهـوم التأصيل لا ينفصل عن مفهوم التجديد، وبينهما تكامل وثيق، فلا تأصيل بلا تجديـد، ولا تجديد بلا تأصيل. وحول الجدل الذي يثار عن مفهومي الأصالة والمعاصرة، أكّد فضيلة المفتي أنه جدل محسوم من المنظور الإسلامي، ولا أدلّ على ذلك من أن الإسلام قد أقرّ ممارسات كانت في الجاهلية حين وجدها تتفق وجوهر دعوته إلى محاسن الأخلاق، فالمنهج الإسلامي لا يرفض كل ما عند الآخرين، وإنما يضعه تحت مجهر الفحص للحكم على مدى انسجامه أو اختلافه مع قيم الإسلام. وشدّد مفتي الجمهورية على أن الخطاب الديني بات في حاجة ماسة إلى التجديد، وبخاصة في التأكيد على القضايا والموضوعات التي هي بمثابة قاسم مشترك بين شعوب الأرض قاطبة، مثل الدعوة إلى مكارم الأخلاق، والمساهمة في سعادة إنسان العصر، وكذلك مواجهة الكوارث التي أنتجها الخطاب الديني المتطرف. وبيّن فضيلته أن هذه الدعوة إلى التجديد تنطلق من التأسيس لثقافة العيش المشترك في عالم متعدد الأديان والثقافات والحضارات، حيث تتبني الشريعة الإسلامية الغراء مبادئ وأسس العيش المشترك بين الإنسانية جمعاء، ولفت فضيلته إلى أنّ في هذا أبلغ الدلالة على رحابة صدر الإسلام واحتوائه على مبادئ قويمة للتعايش السلمي العالمي لجميع الشعوب مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية، ولهذا تعد تنمية قيم المواطنة العالمية ضرورة إنسانية، ليس على المستوى الوطني فحسب بل العالمي، فمن الضروري إعداد وتنشئة الأفراد على قيم السلام والتسامح والحوار وحقوق الإنسان والتنوع الثقافي؛ وذلك لكي يستطيعوا مواجهة المخاطر العالمية، كالمخاطر الصحية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها؛ ليتمكنوا من إيجاد حلول لها.