شروق عوض (دبي)

تحتفي الإمارات اليوم، بالنسخة السادسة والعشرين من «يوم البيئة الوطني»، للتأكيد على مواصلة الجهود من أجل تعزيز العمل البيئي في الدولة، ودعم مسيرة التنمية المستدامة وبناء مستقبل افضل للأجيال القادمة، والتعريف بتأثيرات وتداعيات التغير المناخي، والتوعية بجهود الدولة للحد من تغير المناخ عن طريق خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، والغاز الطبيعي المحروق، وزيادة فعالية واستثمارات الطاقة النظيفة، وتنسيق العمل داخل الدولة على خفض الانبعاثات، كخطوة ممتدة لنتائج قمة المناخ في شرم الشيخ (Cop27)، واستعداداً لمخرجات قمة المناخ المزمع عقدها على أرض الإمارات (COP28) خلال نوفمبر المقبل.
ويأتي الاحتفال بيوم البيئة الوطني في الرابع من فبراير من كل عام، نتيجة لتبني الدولة رؤية مستقبلية رائدة بمجال الحفاظ على الطبيعة وحماية التنوع البيولوجي من تداعيات تغير المناخ من خلال التركيز على الاستثمارات الضخمة في مصادر الطاقة النظيفة والتقنيات المتطورة المستدامة، والحلول القائمة على الطبيعة، والإدارة المتكاملة للنفايات، ومنها إزالة المخلفات البشرية في المناطق الطبيعية كالبر والبحر، والحد من استهلاك الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام والنقل والمدن المستدامة وغيرها الكثير.
وتقام احتفالات «يوم البيئة الوطني»، للتأكيد أيضاً على التزام الدولة في الجهد العالمي للمحافظة على البيئة وتنمية مواردها بشكل مُستدام، ولفت الانتباه لقضايا البيئة، وتشجيع مشاركة الأفراد والمجموعات في مبادرات الجهات المختصة بالمحافظة على البيئة، وإبراز الاهتمام والرعاية الدائمة التي توليها القيادة الرشيدة للعمل البيئي، والتعريف بجهود مختلف الجهات المعنية بالمحافظة على البيئة وإبراز الإنجازات، بالإضافة إلى تسليط الضوء على المبادرات والخطط المستقبلية التي تعتزم الدولة القيام بها، حيث يمثل التغير المناخي إحدى القضايا الرئيسية في دولة الإمارات التي تنظر إليه باعتباره التحدي الرئيسي للتنمية في الدولة ودول العالم جمعاء.

الاستدامة وCOP28
تكتسب الاحتفالية أهمية خاصة، نظراً لكونها تتزامن مع عام الاستدامة واستضافة الإمارات لأكبر حدث دولي في مجال العمل المناخي، وهو مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، حيث تعمل الدولة على جعله حدثاً فارقاً في مسيرة العالم نحو التصدي لأزمة تغير المناخ العالمية.
وتعتبر توعية أفراد المجتمع وقادة الأعمال بأهمية الأسباب والمخاطر الناجمة عن تغير المناخ والتكيف مع تأثيراتها على البيئة، عنصراً أساسياً في أي مواجهة ناجحة وتحويل التحديات إلى فرص يمكن الاستفادة منها، حيث أسهم الوعي المبكر بالتغير المناخي وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في دولة الإمارات إلى الانخراط مبكراً في الجهود الدولية الرامية إلى وضع حلول لها، وتعد الإمارات مشاركاً فاعلاً في المفاوضات التي قادت إلى إقرار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وبروتوكول كيوتو واتفاق باريس، وأدت دوراً مهماً في تيسير المفاوضات العالمية من خلال استضافتها لفعاليات دولية.

مسيرة رائدة
ترافقت مسيرة الإمارات الرائدة من العمل من أجل البيئة، مع تأسيسها في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى 33 عاماً من العمل المناخي بدأت بتوقيعها على بروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون في عام 1989، وفي مطلع تسعينيات القرن العشرين تم الاتفاق بشكل دولي على إطلاق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ لتمثل أول تحرك عالمي لمواجهة هذا التحدي المهم، وفي 1995 انضمت دولة الإمارات للاتفاقية للمشاركة في الحراك الدولي للعمل المناخي.

منظومة عمل
لضمان تحقيق منظومة العمل من أجل البيئة والمناخ، فقد تبنت الإمارات مجموعة من التوجهات والسياسات والمبادرات التي تشكل إطاراً عاماً لعمل القطاعات كافة، ومنها: توجه التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتوجه تحول الطاقة، والسياسة العامة للبيئة للدولة، وسياسة الاقتصاد الدائري، والخطة الوطنية للتغير المناخي، والبرنامج الوطني للتكيف مع تداعياته وتبني توجه إدماج العمل المناخي في استراتيجيات القطاعات كافة، ومن أهمها القطاع الزراعي عبر التوسع في نشر واستخدام نظم الزراعة الحديثة المستدامة، والانضمام للمبادرة العالمية «الابتكار الزراعي للمناخ»، ومبادرة الحياد المناخي 2050 التي تمثل محركاً مهماً لاستراتيجية التنويع الاقتصادي بالإمارات من أجل تطوير صناعات وتقنيات ومهارات ووظائف جديدة، إلى جانب حماية البيئة.

خطة واضحة المعالم
جاء وضع الإمارات لخطة مستقبلية واضحة المعالم ومتضمنة مجموعة من الاستراتيجيات والمبادرات التي تضمن حماية البيئة وتعزيز استدامتها ومواجهة تحديات تغير المناخ، نتيجة حتمية لرصيدها الطويل في تحويل التحديات إلى فرص تنموية مبتكرة، حيث بذلت الدولة خلال السنوات الماضية مجموعة من الجهود للتصدي للتحديات البيئية وظاهرة تغير المناخ العالمية، ونجحت في تحويل التحديات إلى فرص تنموية مبتكرة مبنية على رؤية مستقبلية ونهج استباقي في هذا المجال.

معالجة النفايات
تعمل الإمارات على معالجة العديد من القصايا البيئية من خلال حزمة برامج ومشاريع، من بينها ارتفاع معدلات إنتاج النفايات، حيث تكثّف الدولة جهودها في تحويل النفايات إلى طاقة عبر تنفيذ مجموعة طموحة من المشاريع في هذا المجال، أهمها مشروع شركة «بيئة» لتحويل النفايات إلى طاقة، بالتعاون مع شركة «مصدر»، ومشروع مركز دبي لمعالجة النفايات في ورسان، والإعلان عن إنشاء محطتين لتحويل النفايات إلى طاقة، الأولى في العاصمة أبوظبي، والثانية في مدينة العين، وتوقيع اتفاقية بين مركز أبوظبي لإدارة النفايات (تدوير) وطيران الاتحاد لتطوير مشروع مشترك لبناء أول محطة في الشرق الأوسط لتحويل النفايات إلى وقود للطائرات منخفض الكربون.

استشراف المستقبل
تحتل دولة الإمارات مكانة مرموقة بين الدول الأكثر قدرة على استشراف المستقبل ومواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات المتفردة في مجالات القطاع البيئي كافة الذي ظلّ نابضاً في قلب مسيرة التنمية طوال السنوات الماضية، وسيبقى كذلك لغاية مئوية الإمارات، عبر تحويل التحديات ذات العلاقة إلى فرص تنموية، وذلك بالاستناد إلى أفضل الممارسات والعلوم المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وغيرها الكثير.

تعزيز العمل الجماعي
يعد إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، 2023 عاماً للاستدامة في الإمارات، تتويجاً لجهود ومساعي الإمارات في هذا الملف، كما عبر عن التزامها في تعزيز العمل الجماعي لمعالجة التحديات البيئية والمناخية المشتركة من خلال طرح المبادرات والبرامج ذات الأثر الإنساني الممتد عالمياً، بالإضافة إلى تعزيز موقع الإمارات على مؤشرات تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية، ودعم مساعيها في أن تكون من أوائل دول العالم التي تحقق الحياد المناخي.

منجزات عالمية
تصدرت الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الترتيب العام لتقرير «مؤشر الأداء البيئي 2022» الصادر عن جامعة ييل، حيث جاءت الدولة في المركز الأول عالمياً في 6 مؤشرات بيئية، وهي: (المحميات البحرية، خدمات النظام البيئي، قلة انحسار الأراضي الرطبة، قلة الاعتماد على الوقود الصلب المنزلي، انخفاض معدل نمو الكربون الأسود، وقلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغطاء الأرضي)، والمركز الأول إقليمياً والثالث عالمياً في مؤشر «حيوية النظام البيئي»، كما تصدرت المركز الأول إقليمياً في مؤشري «التنوع البيولوجي والموائل الطبيعية»، و«معالجة مياه الصرف الصحي»، وتصدرت الدول العربية في مؤشر «قلّة الصرف الصحي غير الآمن».

الحياد المناخي
يعد إعلان الإمارات هدف تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 تتويجاً لجهودها ومسيرتها في العمل من أجل المناخ على المستويين المحلي والعالمي خلال العقود الثلاثة الماضية، منذ انضمامها لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في 1995، وتبنت الدولة منذ هذا الوقت مجموعة كبيرة من التشريعات وطبقت العديد من الإجراءات الهادفة إلى خفض الانبعاثات وتقديم الحلول المستدامة، بما يتماشى مع أفضل الممارسات في جميع القطاعات الحيوية، بما فيها الطاقة والصناعة والزراعة والنفايات وغيرها الكثير.

الإنتاج الغذائي
في مجال قطاع الزراعة والإنتاج الغذائي الذي يعتبر أحد العوامل المؤثرة في تغير المناخ العالمي، تم إطلاق كل من الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في نهاية عام 2018، والقانون الاتحادي بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجية للسلع الغذائية في حالات الطوارئ والأزمات، ومشروع «وادي تكنولوجيا الغذاء»، وغيرها الكثير.
لا شك أن الإمارات رسمت لنفسها خطاً واضحاً تسير فيه باتجاه مستقبل أفضل لها إقليمياً وعالمياً، فقد ركزت الدولة منذ تأسيسها على رفاهية الإنسان وإيجاد كل السبل الكفيلة بخلق مجتمع يعيش فيه الجميع ببيئة نظيفة خالية من التلوث، وها هي اليوم واستكمالاً لمسيرة التنمية التي تشهدها في القطاعات والمجالات كافة، وضعت المحافظة على البيئة وتعزيز استدامتها ضمن أولوياتها الحكومية خلال 2023.