سامي عبد الرؤوف (دبي)
أكد الدكتور محمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، أن التلاحم المجتمعي ووجود درجة عالية من الثقة لدى مواطني الدولة وولاءهم اللامحدود تجاه القيادة الرشيدة، تشكل العنصر الأهم في تحقيق الاستقرار السياسي لأي دولة وتعزيز حصانتها وقدرتها على مواجهة أية تحديات سواءً كانت داخلية أو خارجية. 
وأشار، في حوار مع «الاتحاد»، إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم نموذجًا فريدًا واستثنائيًا من نوعه في التلاحم المجتمعي بين القيادة والشعب، وهو -على الدوام- حائط الصد المنيع ضد أية محاولات لاختراق المجتمع أو تهديد أمنه واستقراره. 
وقال: «هذا النموذج مترسخ منذ بداية تأسيس الدولة على يد المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه حكّام الإمارات. وهو يزداد قوة مع القيادة الرشيدة الحالية، التي تضع سعادة الإنسان الإماراتي ورفاهيته في قمة أولوياتها». 
وأضاف: «لقد عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن قوة هذا النموذج الإماراتي في التلاحم المجتمعي بعبارته الشهيرة الخالدة: البيت متوحد». 
وذكر الدكتور محمد الكويتي أن «رأس المال الاجتماعي» لأي مجتمع يعتمد من جانب على مستوى الثقة والانتماء بين أفراد المجتمع وقدرتهم على العمل جنبًا إلى جنب لتحقيق أهداف مشتركة، ومن جانب آخر على مستوى ارتباطهم بقيادتهم.
وشدد على وجود ارتباط قوي ووثيق بين رأس المال الاجتماعي والأمن القومي، حيث إن غنى رأس المال الاجتماعي، وسيادة الثقة والانتماء بين أفراد المجتمع وتخطيها للجماعات المكونة للمجتمع وارتباطهم بقيادتهم، تسهم إسهامًا جوهريًا في خلق جبهة داخلية قوية ومتماسكة يعم فيها السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية، وكل ذلك من المكونات الرئيسية للأمن القومي.

الحروب الجديدة 
ونبه الدكتور محمد الكويتي إلى خطورة ما يسمى بحروب الجيلين الرابع والخامس، والتي تعتمد على خلق تناقضات وزعزعت الثقة بين القيادة والمجتمع من جانب، وبين الجماعات والفئات المكونة للمجتمع من جانب آخر، باستغلال كل الوسائل الحديثة من الهندسة الاجتماعية إلى الهجمات السيبرانية لإحداث الخلل في تلك العلاقة، والتي هي الحجر الأساسي لرأس المال الاجتماعي وبالتالي للأمن القومي. 
وقال: «مَن يعتدي على رأس المال الاجتماعي من المغرضين ودعاة التعصب والتطرف يجب محاربته وتوحيد صفوف المجتمع لتعمل كحائط صد في مواجهته، لأنه يستهدف زعزعة الثقة والولاء في الدولة المستهدفة للسيطرة عليها أو لنهب ثرواتها».  وأضاف: «ولذلك يجب دعم رأس المال الاجتماعي عن طريق غرس الشعور بالانتماء والولاء للدولة والثقة بقيادتها الرشيدة، لتمكين المجتمع من مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية». 
وأكد أن قيادة دولة الإمارات الرشيدة، صاحبةَ الرؤية التي تجعل الارتقاء بالمواطن الإماراتي أولويتها القصوى وهّمها الأول والأخير، لا تتوانى عن تعزيز ثقة المواطنين والمواطنات بأنفسهم وبقيادتهم وبوطنهم بما حققته وتحققه من النجاحات والمعجزات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، مشددا على أن هذه المقومات المتوفرة جعلت المجتمع الإماراتي حائط صد منيعاً ضد المغرضين ودعاة التعصب والتطرف.

الأمن السيبراني 
وحول كيفية الاستفادة من الأمن السيبراني في تعزيز الوعي الوطني، أجاب الكويتي: «تسعى التنظيمات المتطرفة لغزو العقول عبر المنصات التقليدية وكذلك المنصات الرقمية التابعة لها أو المتعاطفة معها، وذلك بهدف تغيير التوجهات والآراء السياسية والدينية والثقافية والشخصية، بما يخدم مصالحها». 
وأوضح أن هذا الأمر يتم من خلال عزل الشخص عن فطرة المواطنة والانتماء والدفاع عن الوطن وثوابته، والترويج للأفكار الداعمة للعنف والتطرف الديني أو السياسي، أو الترويج للأفكار الخاطئة والمضللة حول قضايا وطنية مصيرية.
وقال: «في هذا السياق، نعمل على توظيف الأمن السيبراني في تعزيز الوعي الوطني بأهمية التصدي لمثل هذه الأفكار وكشف خطورتها وتعزيز التلاحم المجتمعي». 
وكشف الدكتور محمد الكويتي عن وجود العديد من المبادرات التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة وتستهدف إنتاج معرفة توعوية تسهم في تعزيز الوعي الوطني للمواطنين، ومن ذلك على سبيل المثال مبادرة «النبض السيبراني» التي تهدف إلى نشر ثقافة الأمن السيبراني، وتعزيز مشاركة جميع أفراد المجتمع ورفع وعيهم بشأن أي نشاطات إلكترونية مشبوهة قد تضرُّ بهم، وتمكنهم من استخدام منجزات التكنولوجيا الرقمية في بيئةٍ أقل تهديدًا. 
وتشمل المبادرة مجموعة من الفعاليات والأنشطة، منها: الدورات التدريبية، وورش العمل، والمحاضرات في مجال الأمن السيبراني، وكيفية التصدي للهجمات الإلكترونية، والمحتوى السيبراني المتطرف.

الإرهاب الجديد 
وبالنسبة للدور الثاني للأمن السيبراني والمتعلق بمواجهة التعصب الديني والتطرف، أفاد الكويتي، أن الفضاء الإلكتروني یُعدُّ عنصر جذب للتنظيمات الإرهابية، على اختلاف أنواعها وتباين أفكارها، نظرًا لما یتیحه لها من سهولة الوصول لمختلف المجتمعات الدولية. وتقوم هذه التنظيمات باستخدام الفضاء الإلكتروني في الدعاية والتجنيد والتمويل وجمع المعلومات، وتنسیق الهجمات الإرهابية، وحشد المتعاطفين من مختلف دول العالم.
وقال: «لذا، فإن هناك ما يطلِق عليه البعض (الإرهاب الجديد)، الذي يقوم على الاستخدام الاحترافي للإنترنت، حيث استفادت التنظيمات الإرهابية، على غرار الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش، بشكل بارع من التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات وتطبيقاتها المختلفة على الإنترنت».  
وأضاف الدكتور محمد الكويتي: «كثيرًا ما تستخدم تنظيمات الإرهاب الجديد وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الخوف وبث الرعب في المجتمعات، من خلال نشر أخبار أنشطتها وعملياتها الإرهابية، كما تستهدف متابعيها عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لتجنيدهم، بالقدر نفسه الذي تستهدف به الضحايا».
وقال: «لذا، يجب على القائمين على الأمن السيبراني استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات المفتوحة المصدر والأدلة الرقمية وتقصي أثر الإرهاب الجديد لمكافحته والتعصب الديني والتطرف العنيف».
وذكر أن دور الأمن السيبراني يتلخص في مواجهة التعصب الديني والتطرف وصد الهجمات الإلكترونية الحركية على البنية التحتية للدولة وأجهزة الإنترنت، ومكافحة انتشار المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وقطع وإعاقة الاتصالات الإرهابية عبر الإنترنت، والتصدي لتمويل الإرهاب الرقمي، وتعزيز الوعي الوطني في مجال الأمن السيبراني. 

«حوكمة الذكاء»
ورداً على سؤال حول طرق حوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي حتى لا يستغل بطريقة خاطئة من البعض، أكد رئيس مجلس الأمن السيبراني، أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، يمكن استغلاله في الخير أو الشر، ومن هنا يأتي دور الأمن السيبراني في العمل على ضمان الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات والحلول الرقمية. 
وقال: «من الفوائد الكبيرة للذكاء الاصطناعي أنه يستطيع معالجة كميات هائلة من البيانات دون أي عناء، بسرعة وفاعلية أكبر بكثير من أي إنسان، كما يمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعي أيضًا اتخاذ قرارات بناءً على تلك البيانات». 
وأضاف: «كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعلم نفسه استخلاص استنتاجات جديدة منها، من خلال العملية التي نسميها «التعلُّم الآلي»، ما سيسمح للبشر بتحقيق ما لم نكن نظن أنه ممكن، والشراكة بين الإنسان والآلة ستحسن كثيرًا نواحي الحياة كلها، بدءًا من المرور، والرعاية الصحية، والتسويق، والبحث العلمي، ومجالات أخرى كثيرة». 
واستدرك الكويتي: «لكن هناك مجموعة من الممارسات التي تجعل من أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته «خطرًا وتهديدًا» لخصوصية الناس وحقوقهم، مثل: التحيز الذي يعزز التمييز ضد بعض الفئات الضعيفة في المجتمع ويزيد من عدم المساواة. أو المراقبة أو المعلومات المضللة». 
كما يمكن أن يؤدي تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى أتمتة بعض الوظائف، ما قد يرفع من معدلات البطالة، ويفرض واقعًا من عدم المساواة الاقتصادية، مما يؤثر سلبيًّا في الاستقرارين الاجتماعي والسياسي للمجتمعات. 
وأخيرًا، هناك مخاوف من أن تتجاوز الآلة صانعها أو أن تقع في أيدي جهات خبيثة أو متطرفة أو إرهابية. 
وقال: «هنا يأتي دور حوكمة الذكاء الاصطناعي للاستفادة من ميزاته وعدم الوقوع فريسة لمخاطره، من خلال وضع معايير وسياسات واضحة للاستخدام الصحيح لهذه التقنيات والتأكد من سلامتها على المجتمع سواءً على مستوى الدولة أو العالم». 
وأضاف الدكتور محمد الكويتي: «أيضاً يمكن خلق شراكات استراتيجية مع الشركات والمختبرات التي تطور نماذج الذكاء الاصطناعي لتوحيد الجهود وأخذ الضمانات لتطوير هذه النماذج بشكل يخدم المجتمع والعالم في عدة مجالات حيوية مثل التغير المناخي والقطاع الصحي وغيرها، وللحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي التي تهدد أمن وسلامة المجتمع». 
وأشار إلى ضرورة مشاركة المجتمع في تقييم مدى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتقديم آرائهم في ذلك وأخذها بعين الاعتبار، لتكون أيضاً إحدى الطرق لحوكمته.

نجاحات
عن أبرز النجاحات والإنجازات التي حققتها دولة الإمارات في مجال الأمن السيبراني، قال د.محمد الكويتي أنه في إطار التحوُّل الرقمي المتزايد في العالم، وما واكبه من تنامٍ في التهديدات الإلكترونية، بصورها وأشكالها المتنوعة، عززت دولة الإمارات من إجراءات السلامة السيبرانية لحماية الدولة والمجتمع وبنيتهما التحتية الحيوية. 
وأضاف: فعلى سبيل المثال تبنى مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات مبادرة «النبض السيبراني» Cyber Pulse، وذلك لضمان تحولٍ رقمي آمن، يمكّن جميع الأفراد والقطاعات في الدولة من استخدام منجزات التكنولوجيا الرقمية في بيئةٍ أقل تهديدًا، وتحقيق أهداف الدولة في التنمية المستدامة. 

عدم المواجهة 
ردا على سؤال حول خطورة إهمال دور الأمن السيبراني في مواجهة التطرف والتعصب الديني والفكري، شدد الكويتي على أن إهمال دور الأمن السيبراني في مواجهة التطرف والتعصب الديني والفكري يسمح للجماعات المتطرفة والإرهابية بحرية الدعاية والحرب النفسية، وحرية إرسال رسائل مشفرة والتواصل الآمن فيما بينها، وحرية التخطيط للهجمات والتنسيق لها، كما في حادثة مقتل كاهن فرنسي في نورماندي بفرنسا. 
وأفاد بأن من بين أهم الأخطار الناجمة عن إهمال دور الأمن السيبراني، في مواجهة التطرف والتعصب الديني والفكري، ترك المجال واسعًا لعمليات تجنيد أعضاء جدد للجماعات المتطرفة والإرهابية، وتمويل الإرهاب والتطرف.