طه حسيب (أبوظبي)

تعلق النسخة الثامنة والعشرون من مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ التي تنطلق اليوم، آمالاً كبيرة على الطاقة المتجددة في حفز العمل المناخي، خاصة تخفيض الانبعاثات.. وبمناسبة هذا الحدث العالمي الكبير، حاورت «الاتحاد» فرانشيسكو لاكاميرا، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا».

* كيف يصبح مؤتمر الأطراف فرصة كبيرة لتحفيز انتشار الطاقة المتجددة على الصعيد العالمي باعتبارها خطوة نحو الحياد الكربوني وتصفير الانبعاثات، خاصة أن المؤتمر يعقد في الإمارات التي هي مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة؟  
** مؤتمر (COP28)، الذي ينعقد في الإمارات العربية المتحدة، سيعرض أول تقييم عالمي، وسيكون بمثابة مؤشر رسمي ينبّه العالم إلى الحاجة للعودة إلى المسار الصحيح للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وفق اتفاقية باريس للمناخ، وهو ما يتطلب تحولاً شاملاً في الطريقة التي ننتج ونستهلك بها الطاقة.
 وأضاف: لمواجهة هذا التحدي المعقد، لا بد من تحديد اتجاه واضح وصريح. لذلك، بالتعاون مع رئاسة «كوب 28»، نسعى نحو هدف عالمي واضح يتمثل في مضاعفة قدرة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات حتى تتجاوز 11 تيرا واط، ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة مرتين بحلول عام 2030. وأشار إلى أن هذا ما أكدنا عليه في تقريرنا المشترك بعنوان «مضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة مرتين بحلول عام 2030: خطوات حاسمة نحو 1.5 درجة مئوية».  
حسب «لاكاميرا»، يطرح التقرير توصيات وسياسات قابلة للتنفيذ، ويقدمها للحكومات والقطاع الخاص بشأن آليات زيادة القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة المتجددة ومضاعفة معدل التحسينات السنوية لكفاءة استخدام الطاقة مرتين بحلول عام 2030. كما يسلط التقرير الضوء على الحاجة إلى المعالجة العاجلة للعوائق الكامنة في نظم الطاقة وبناها التحتية وسياساتها وإمكاناتها المؤسسية القائمة على معايير عصر الوقود التقليدي. 
ويحدد التقرير الإجراءات المطلوبة كأولويات لتسريع تحول الطاقة، والتي تتماشى وتتقاطع مع هدف جدول أعمال رئاسة مؤتمر الأطراف «كوب 28» الرامي إلى تسريع تحول عادل ومنظم للطاقة للحفاظ على مستوى 1.5 درجة مئوية. 
ويقول لاكاميرا: تحقيق الإجماع العالمي حول هدف مضاعفة القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة المتجددة ثلاث مرات سيكون أمراً بالغ الأهمية، رغم أنها نقطة البداية ليس إلا. في مؤتمر الأطراف «كوب 28»، نهدف إلى أن يكون جناحنا مركزاً عالمياً للطاقة المتجددة، وصلة وصل بين الشركات والمنظمات الدولية والحكومات للتوافق على الاستراتيجيات الأكثر فعالية لتحوّل الطاقة. وأضاف لاكاميرا: سنعمل على إقامة تحالفات رئيسية وشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، وتمكين رواد الأعمال الشباب، وتعزيز الوصول إلى التمويلات، وتخطي العقبات المعيقة للعمل المناخي الدائم. 
وأشار لاكاميرا: نتطلع إلى عرض مجموعة من المبادرات في المؤتمر، من بينها «التحالف من أجل إزالة الكربون من الصناعة»، الهادف لإزالة الكربون من سلاسل القيمة الصناعية، و«الشراكة الأفريقية للطاقة المتجددة»، التي تم إطلاقها في وقت سابق من هذا العام خلال «أسبوع المناخ الأفريقي»، برئاسة فخامة وليام روتو، رئيس كينيا. 
الإمارات قدمت تجربة نموذجية للدول الغنية بمصادر الطاقة التقليدية عندما رسخت الطاقة المتجددة ضمن استثماراتها ومشروعاتها داخل الدولة وخارجها، ما يبرز أهمية هذه التجربة في نشر الطاقة المتجددة وتعزيز الانتقال العادل في مجال الطاقة الذي يعتبر هدفاً في كوب 28. 
وأكد لاكاميرا: أن دولة الإمارات العربية المتحدة حققت خلال العقد الماضي تقدماً مذهلاً في مجال الطاقة المتجددة، حيث برزت كدولة رائدة عالمياً في هذا المجال على مستوى المنطقة وخارجها. واستثمرت دولة الإمارات بكثافة في دمج الطاقة الشمسية في مزيج الطاقة لديها على نطاق واسع، مما أدى إلى انخفاض في تكلفة الطاقة الشمسية، وبالتالي تحفيز دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى على  تبني مشاريع الطاقة النظيفة الخاصة بها. كما التزمت الإمارات باستثمار أكثر من 50 مليار دولار أميركي في مشاريع طاقة متجددة في 70 دولة، بما في ذلك 27 دولة جزرية، وستستثمر كذلك ما يصل إلى 54 مليار دولار أميركي في الطاقة المتجددة على مدى السنوات السبع القادمة. 
ويرى لاكاميرا: أن دولة الإمارات أصبحت نموذجاً للدول الأخرى الغنية بموارد الطاقة التقليدية، حيث عززت بجهودها النتائج الإيجابية لدمج الطاقة المتجددة في المشاريع قصيرة وطويلة الأجل على حد سواء. وتكمن أهمية مثل هذه التجربة في التأثير الذي تحدثه. ومع إدراك المزيد من الدول لقيمة وفوائد هذا التحول في بلد يشابهها، ستفكر في التحول نفسه، مما سيؤدي إلى عالم أكثر استدامة للجميع. 

مشروعات الطاقة 
* ماذا عن الجهود المتواصلة التي تبذلها الوكالة في الدول النامية لتحفيز مشروعات الطاقة المتجددة؟  
** لا كاميرا أشار إلى أن «آيرينا» تلتزم بدعم الدول الأعضاء في مساراتها نحو ضمان مستقبل الطاقة المستدامة لشعوبها. ويقول: «يتمثل دورنا كوكالة دولية رائدة متعاونة مع الحكومات وكمنصة للتعاون هو تقديم الدعم والتوجيه وتسهيل تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة، وذلك من خلال مخزوننا المعرفي حول جميع أشكال الطاقة المتجددة الداعمة لتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير الطاقة، وضمان أمنها، ودعم النمو الاقتصادي منخفض الكربون وتعزيز الازدهار». 
وأضاف «لا كاميرا»: أنه علاوة على عملنا التحليلي، قمنا بتوسيع نطاق عمل «آيرينا» لتقديم من الدعم للدول الأعضاء في الوكالة لتحقيق نتائج ملموسة وتسريع العمل على أرض الواقع. لذلك قمنا بتوسيع جهودنا لتسهيل تمويل مشاريع الطاقة المتجددة في البلدان النامية من خلال «منصة تمويل تسريع تحول الطاقة» (إيتاف). واستطرد قائلاً: نعمل، بالاستفادة من انتشار «آيرينا» العالمي وخبرتها في مجال تحول الطاقة، على ربط مجموعة من مشاريع تحول الطاقة مع المستثمرين لتسريع نشر الطاقة المتجددة في الدول النامية. 
وكانت منصة «إيتاف» التابعة لوكالة «آيرينا»، والمدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، تهدف بدايةً إلى تأمين التزامات تمويلية بقيمة مليار دولار أميركي بحلول عام 2030 ضمن مؤتمر الأطراف «كوب 28»، ومع ذلك، وبجهود ستة شركاء للمنصة، تم تجاوز هذا الهدف، حيث يبلغ الالتزام الرأسمالي للمنصة حتى الآن 1.25 مليار دولار. ونحن نستعد لإضافة شركاء جدد للمنصة في مؤتمر الأطراف «كوب 28»، ما يعزز بشكل كبير قدرات المنصة وإمكاناتها. 

«تمكين الحياة وسبل العيش» 
وأشار «لا كاميرا» إلى أن «آيرينا» تستعد أيضاً لتقديم مبادرة محورها المجتمعات، طورناها بالشراكة مع دولة الإمارات، وهي مبادرة «تمكين الحياة وسبل العيش» التي تمكّن النساء والأطفال في البلدان النامية. وتهدف المبادرة إلى تعزيز جودة الحياة وسبل العيش من خلال حلول الطاقة المتجددة في سلاسل القيمة الزراعية الغذائية والصحية، وذلك بالشراكات مع الحكومات، وأصحاب المبادرات والمؤسسات الخيرية، والصناديق الائتمانية، والصناديق الخيرية، والقطاع الخاص، وغيرهم من أصحاب المصلحة المعنيين. إلى ذلك، تسعى المبادرة لتحقيق مزايا متساوية، لا سيما للنساء والشباب الأكثر تضرراً من تغير المناخ، وغياب الطاقة النظيفة، ومحدودية الوصول إلى التمويل والموارد والفرص. 

نقل التكنولوجيا 
 * إلى أي مدى حققت الوكالة نجاحاً في نقل التكنولوجيا للدول النامية؟  
** أكد «لا كاميرا» أن الطاقة المتجددة لها فوائد تنموية اجتماعية واقتصادية حول العالم، لا سيما في الدول النامية، من خلال تسهيل الوصول إلى الطاقة وضمان أمنها، وتوفير فرص العمل، وتحسين جودة الحياة. 
خلال الفترة من 2013 إلى 2020، عملت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) وصندوق أبوظبي للتنمية معاً لتمويل 26 مشروعاً للطاقة المتجددة في الدول النامية. وأضاف «لا كاميرا» أن صندوق أبوظبي للتنمية قدم تمويلاً أولياً بقيمة 350 مليون دولار أميركي، التي استقطبت بدورها استثمارات إضافية بقيمة 570 مليون دولار أميركي من التمويلات المشتركة من مصادر أخرى، ضمت الحكومات والقطاع الخاص وغيرها من صناديق التنمية. 
 وشملت المشاريع الممولة توليد الطاقة المتجددة، والكهرباء، ومحطات تحويل النفايات إلى طاقة في العديد من الدول النامية. ونجاح هذه المبادرة شكل الأساس الذي قامت عليه وتوسعت منصة «إيتاف»، لتصبح واحدة من أكثر منصات تمويل المشاريع ابتكاراً وشمولاً. 
ويقول «لا كاميرا»: نفخر بأن الشريك الأول الذي انضم إلى منصة «إيتاف» كان صندوق أبوظبي للتنمية من الإمارات والذي التزم بتعهد قدره 400 مليون دولار. وتطورت المنصة منذ ذلك الحين لتصبح ميسراً عالمياً للمشروعات، وتجتذب العديد من مؤسسات التمويل الكبرى في جميع أنحاء العالم.