إبراهيم سليم (أبوظبي)
أوصى «مؤتمر القرآن الكريم وآفاق العلوم الكونية» الذي تنظمه الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في إطار برنامجها الرمضاني، واختتم أعماله أمس الأول، بضرورة تعميق الوعي العالمي بالدور الحضاري للقرآن الكريم في إيجاد الحلول للقضايا المعاصرة، وتحقيق التنمية المستدامة، والاستعانة بعلماء متخصصين في العلوم الطبيعية، في إطار من التكامل المعرفي، والتواشج الحضاري.
ودعا المؤتمر الذي امتد على مدار يومين، بمشاركة العلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وعدد من العلماء المختصين، الأكاديميين والباحثين إلى إجراء الدراسات التي تربط بين القرآن الكريم، وبقية فروع المعرفة الكونية والفلسفية؛ بهدف فتح آفاق جديدة تسهم في الارتقاء بالمجتمعات، وتحقيق رفاهيتها، ورسم ملامح خريطة طريق واضحة للعمل المستقبلي على المستويين المحلي والعالمي؛ بهدف الارتقاء بالوعي الإنساني، وتعزيز التناغم بين العلوم الإنسانية والطبيعية.
أقيم المؤتمر تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، وبحضور الدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، ومحمد سعيد النيادي، مدير عام الهيئة والمسؤولين فيها، وعدد من المسؤولين في الجهات الحكومية. ودعا المؤتمر في توصياته إلى إعداد موسوعة تفسير حضاري يعنى بإظهار العنصر القيمي في القرآن الكريم، وفق ثوابت علمية، وضوابط منهجية، ورؤى استشرافية. كما أوصى بالتفكير في إدراج مناهج دراسية تعنى بموضوعات العلوم الكونية في علاقتها مع القرآن الكريم، وتوسيع آفاقها ضمن البحث العلمي في الدراسات الجامعية الأكاديمية، وتشجيع الأقلام الرصينة لإغناء مفرداتها البحثية، وفروعها المعرفية. 
وأوصى بالعمل على نشر التجربة الإماراتية الرائدة في استثمار التقنية الحديثة في خدمة القرآن وعلومه، وتعميم فائدتها لنفع الإنسانية، وتبني الدراسات العلمية الجادة الساعية لتصحيح المفاهيم القرآنية المختطفة، وتشجيع الدراسات الكاشفة عن منهجية القرآن الكريم في بناء الإنسان، استناداً إلى ترتيب نزول سور وآيات القرآن الكريم.

وأكد العلماء، من خلال مداخلاتهم القيمة، ضرورة العناية والاحتفاء بالتفسير القيمي للقرآن الكريم، وبيان أثره في الإفضاء إلى فهم أعمق، واستيعاب أشمل، وتناول أدق للنص القرآني، وما يحمله منهجه من تعزيز أمثل وأمتن للقيم الإنسانية العالية، في مشتركاتها الكلية، بما يمكن من مواجهة التحديات المعاصرة، في مختلف تشعباتها الحياتية، وبما يشرع للمتأملين في الكتاب العزيز سبيلاً تنأى بمناهج تفسيره عن خطابات التطرف والكراهية، وتهدي المتبصرين عواصم تفكيكية تستعصي عندها كل محاولات للتشدد والتكفير تحاول النمو على ضفافه.
كما دعوا إلى أهمية الفهم الصحيح للآيات الكونية، والإدراك العميق لمقاصدها ومراميها، وطرق قراءتها واستثارتها، حتى يكون لها دور في تحقيق الإيمان بمنزلها، وسهم في تقدم الأوطان وتنميتها وازدهارها.
وأكدوا أن القرآن الكريم كتاب هداية، لم يقدم لنا معادلات رياضية، ولا قوانين فيزيائية، ولم يكن أبداً كتاب نظريات علمية، إلا أنه أودع إشارات دالة، يلتقط شفوفها العالمون، ويفهم مراميها الحضارية المتأملون.
وقالوا: إنه ينبغي الحذر من تلك التفسيرات ذات التوجه الإعجازي التي تجعل من التأويل المتعسف منهجاً تنهجه، ومن التمحل والتكلف ولي أعناق النصوص سبيلاً تسلكه، لإثبات علاقات مزعومة بين بعض الآيات الكونية، والنظريات العلمية.
ودعا المشاركون إلى أهمية استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز، في خدمة القرآن الكريم وعلومه، وتيسير تعلمه وفهمه، بما يواكب حاجة العصر، ويحقق مصالحه، إذ ثمن العلماء والمختصون الدور الرائد لدولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة القرآن الكريم وعلومه من خلال المبادرات المجتمعية، والمشاريع الابتكارية.
وأكد البيان الختامي للمؤتمر الذي تلاه الدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف، أن الفعاليات جاءت إجلالاً لمكانة القرآن، وأثره في تقوية الإيمان، وإسعاد الإنسان، واحتفاء بشهر القرآن، وحرصاً على خدمته بجهود ذوات أفنان، وتلبية لنداء القرآن، ونظراً في آياته الكونية، ومدارسة لإشاراته التفكرية، وإشراقاته التدبرية، واستشرافاً لآفاقه المعرفية. وخلال فعاليات، أمس الأول، تم عقد جلستين علميتين تناولتا عدداً من المحاور، حيث تناولت الجلسة الأولى «الآيات المتلوة والمرئية، نحو تعزيز مناهج الاعتبار والتفكر في التفسير»، وتحدث فيها معالي الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، رئيس اللجنة الشرعية بالهيئة العامة للأوقاف في المملكة العربية السعودية.
وقال: «عظَّم الله سبحانه شأن الأخْذِ بالأسباب في البحث عن الحقيقة، فحاط البحث العلميَّ بما يحفظه من الخطأ والزلل، فواجب الوقت أنْ يكون كلُّ فردٍ منّا قائماً مع عالَم الأسباب الذي أقامه الحقُّ فيه بسلوك السُّبل التي تترقّى بالعلوم إلى درج الكمال، إننا إن استغْرَقْنا أوقات جلسات هذا المؤتمر في عملٍ مُتْقن، ولم نُضيِّعْها، فقد صَدَقْنا في بذل الأسباب، وتحقَّقْنا بمعاني العبودية لله، وحُقَّ لنا أن نرجوَ الوصول لما نريد؛ لأنَّ الرجاء ما قارنه عملٌ».
وتناولت ورقة الدكتورة مريم راشد الشحي من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف «التفكر في آيات الله الكونية من المقاصد القرآنية والإيمانية»، أكدت فيها أنه لا طريق لمعرفة المقاصد الشرعية إلا بالنظر في كتابه عز وجل، والوقوف على آياته، وتدبر معانيها، وتحدثت عن مقاصد الآيات الكونية، وعن العلاقة بين الآيات الكونية والمقاصد القرآنية، وما الذي ترمي إلى تحقيقه من ثمرات في حياة الفرد والمجتمع مقدمة محورين لمداخلتها تضمنت أهمية التفكر في آيات الله الكونية. ومقاصد التفكر في الآيات الكونية في القرآن الكريم.
وقدم فضيلة الشيخ توفيق بن مولاي العبقري، من العلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، ورقة علمية حول «القرآن الكريم والعلوم الكونية والمعارف المعاصرة أية علاقة؟»، متحدثاً عن طبيعة العلاقة الواصلة بين القرآن الكريم، وبين علوم الكون ومعارف العصر المستجدة، متناولاً عدداً من المحاور شملت مقصد إنزال الكتاب، ورصد آفاق الدلالة القرآنية، والنظر العميق في سبل التوفيق بين معهود اللسان القرآني وجريانه على أمية الخطاب، والتفريق الدقيق بين الآيات الداعية لتطلب آفاق الكون والسعي في امتلاك معرفة خباياها وأسرارها، وغيرها من العناوين المعززة لجوانب هذه المداخلة.
وتناولت ورقة الدكتور إبراهيم إمونن، أستاذ التعليم العالي بكلية أصول الدين بجامعة عبد الملك السعدي بالمغرب، ومن العلماء الضيوف «مدرسة الإعجاز العلمي وثمرة التفكر في آيات الله»، تحدث فيها قائلاً إن الغاية المنشودة من التفكر في آيات الله وثمرتها، هو معرفة الإنسان لخالقه، وإدراك بديع صنعه وعظمته، وتنزيل روح هذه المعرفة الخاصة على مستوى بناء جسور التواصل الإنساني من جهة، ومن جهة ثانية للمحافظة على بيئة الكون وكيانه، والإسهام في إعماره وبنائه. حيث إن الخطاب القرآني بكل مكنوناته سيظل منهلاً ثرّاً للتفكر في آيات الله وغيرها من الآيات، معطاءً فوق كل المظان، وأرضيةً صلبةً لبناء التقدم الإنساني والعمراني بكل أمان. وقدم الأستاذ الدكتور أحمد حسين محمد إبراهيم، عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة ورقة علمية عن «الحقائق العلمية المعاصرة ومعايير اعتبارها في تفسير القرآن»، قائلاً إن هدايات القرآن الكريم ليست مقتصرة على جيل من الناس دون جيل، ولا زمان دون زمان، فإننا مأمورون مع تلاوة القرآن الكريم، بتدبره والتفكر في معانيه، فالعقل في أفقه الواسع رهين بعالمه الذي ينطلق منه ولا ينخلع عنه، وواقعنا الآن مليء ومزدحم بما أنتجته الحضارة الحديثة، وبما أفرزه العقل البشري من وسائل وأدوات تخللت إلى تفاصيل وجزئيات حياته، وإن استصحاب ما وصلت إليه البشرية من شأوٍ بعيد في العلم التجريبي والتقني والمعلوماتي، عند النظر إلى كتاب الله عز وجل، باعتبار ثقافة الناظر فيه المتفكر في آياته، ليس بدعاً ولا منكراً من القول وزوراً، لكن مع الضوابط العلمية، والقواعد المرعية. 

جهود
تناولت ورقة الدكتورة نوف أحمد الشحي، من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإسلامية والأوقاف «جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة القرآن وعلومه»، تطرقت خلالها لجهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في خدمة القرآن الكريم، وعنايته الذاتية بالقرآن الكريم وأثرها عليه، وعنايته بالتعاليم القرآنية وتسخيرها في مسيرة التقدم، وعنايته بنشر العلم القرآني حفظاً وتدبُّراً.
وبينت أن مفهوم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، للتقدم والتنمية مبنيّ على اعتقاده الراسخ بأن الدين يحض على التقدم وينادي به، ولا يوجد شيء في القرآن الكريم أو التراث الإسلامي يتعارض مع التقدم والتحضر والازدهار، مع تأكيده الدائم على أهمية اتباع الطريقة الوسطية التي تجمع بعقلانية بين الإرث الإسلامي والعالم الحديث لتكوين نهضة وطنية مستمرة، فبرزت عنده تلك التعاليم على صورة مجموعة من القيم الإنسانية والمثل العليا ابتداءً من قيم الاتحاد والتعاون، ثم أبوة القائد لشعبه، مروراً بقيم التسامح والتعايش، والاعتدال الفكري والديني، وقيم المحبة والإخاء والإغاثة والمعونة والنجدة، وسلسلة طويلة من قيم زايد التي ما زلنا نتعلمها حتى اليوم.

المنصة الذكية
تناولت  موزة علي الظاهري، من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، «التعريف بالمنصة الذكية لتعليم القرآن الكريم عن بُعد، وجهود الهيئة العامة للشؤون الإسلامية في خدمة القرآن الكريم»، عرفت فيها بالمنصة الذكية التي أنشأتها «الهيئة»، والتي يتم من خلالها تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم تجويده في فصول دراسية افتراضية بالصوت والصورة على أيدي محفظين متقنين أكفاء، حرصاً منها على تحقيق رؤية القيادة الرشيدة، وتمكين كل من يرغب حفظ القرآن الكريم، وتعلم علومه ولم يتمكن من الالتحاق بمركز أو حلقة تحفيظ، مؤكدة أنه بجانب خدمة تحفيظ القرآن الكريم وتعليم علومه كعلم التجويد تقدم المنصة تعليم مناهج في الأخلاق والعبادات، وبرامج تأهيلية وتعليمية من أبرزها برنامج الإجازة بالسند وبرنامج تأهيل للكوادر الإدارية مع وجود الأنشطة التعليمية والترفيهية، كما وتشارك الدارسين الفعاليات الوطنية والدينية المعتمدة في «الهيئة». 

مبادرات
قدم سعيد عايد الكتبي، من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية مداخلة عن «المبادرات المجتمعية والإعلامية في خدمة القرآن الكريم في دولة الإمارات»، أكد فيها تمسك حكام دولة الإمارات وشعبها بموروثهم الثقافي والديني يعطي للدولة مكانة قوية بين الدول، حيث تبوأت دولتنا الصدارة في المشاريع التي تعنى بخدمة القرآن الكريم، ومن أبرزها المراكز الدائمة لتحفيظ القرآن الكريم، وبرامج التأهيل، ومنصة القرآن الكريم للتعليم عند بعد، مبيناً أن من أبرز المبادرات المجتمعية والإعلامية في خدمة القرآن الكريم في دولة الإمارات تتمثل في إذاعة زايد للقرآن الكريم، وإنشاء منصة دبي لأفضل الممارسات في خدمة القرآن الكريم، والمسابقات والجوائز القرآنية في الدولة. وكذلك مشاريع تحفيظ القرآن الكريم المتعددة والممتدة على جميع إمارات الدولة، والكليات والمجامع والمؤسسات القرآنية.