استعرضنا في الأسبوع الماضي جزءاً من وسائل تسوية المنازعات بالطرق السلمية، وذكرنا أنه يمكن للمفاوضات أو الوساطة، في حالة الفشل تحقيق تسوية بين الأطراف المتنازعة، التوصل إلى اتفاق لإحالة الخلاف إلى التحكيم أو القضاء الدولي، ويعتبر التحكيم أحد الوسائل المفضلة لتسوية المنازعات الدولية، وبالأخص في المسائل المتعلقة بمنازعات الحدود البرية أو البحرية أو النزاع على السيادة على جزيرة أو أرض معينة أو عندما تكون هناك رغبة في حل الخلاف بوقت قصير. 
ويتطلب اللجوء إلى التحكيم التوصل إلى اتفاق على موضوع الخلاف والقانون الواجب التطبيق واجراءات التحكيم واختيار المحكمين، ويمتاز التحكيم عن محكمة العدل الدولية بأن إجراءاته أسرع وعدد المحكمين فيه أقل، غالباً ثلاثة أو خمسة أشخاص، بينما يصل عدد قضاة محكمة العدل الدولية إلى خمسة عشر قاضياً، ولكن يُعاب على التحكيم أنه لا يتحلى بدعم مجلس الأمن الدولي في حالة رفض أحد أطراف الخلاف قبول نتيجة التحكيم. أما القضاء الدولي سواء كان من خلال محكمة العدل الدولية أو محكمة قانون البحار، لدول الأطراف في اتفاقية قانون البحار، فهي محاكم قائمة وإجراءاتها محددة والقضاة فيها معينون من هيئة الأمم المتحدة أو من المنظمة التي أنشأت المحكمة، لذلك تتحلى أحكامها بدعم مجلس الأمن، أو بدعم الجمعية العامة للمنظمة التي أنشأتها، لإنفاذ الحكم مما يعطيه قوة أكبر. 
وتختلف محكمة العدل الدولية عن محكمة قانون البحار، بأن اللجوء إلى الأولى يتطلب التوصل إلى اتفاق بين أطراف الخلاف أو أن يكون هناك قبول مسبق صادر من أحد أطراف الخلاف أو كليهما بقبول اختصاص محكمة العدل الدولية، بشأن تسوية أي خلاف مع الغير، أما محكمة قانون البحار فإن اللجوء إليها متاح لجميع الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، ولا يتطلب الأمر التوقيع على اتفاق جديد، كذلك تختلف كل منهما عن الأخرى بأن الأولى لها اختصاص أشمل بنظر في أي خلاف يتفق الطرفان على إحالته إليها، أما محكمة قانون البحار، فإن اختصاصها قاصر فقط على أي خلاف بشأن تفسير أو تطبيق أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982. 
باختصار، يقدم القانون الدولي العام مجموعة من الوسائل والخيارات للدول المتنازعة لتسوية خلافاتها بالطرق السلمية، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يضر بالسلم والأمن الدوليين. وقد أثبتت هذه الوسائل قدرتها على حل المنازعات بين الدول أو بين الدول والمنظمات الدولية، وتجنيب العالم كل ما من شأنه أن يعكر السلم والأمن الدوليين، ويحول دون إقامة علاقات طبيعية بين أعضاء المجتمع الدولي.

* مطر النيادي 
مستشار في القانون الدولي