محمد نجيم (الرباط)

تدعونا أعمال الفنان التشكيلي المغربي أحمد العمراني إلى استنهاض وإعمال طاقاتنا الفكرية والتأملية لفهم عالمه التشكيلي الذي يقدم فيه عناصره التشكيلية وبوحه اللوني بطريقة فنية تنهل من التجريدي، مع جنوح نحو التأمل الصوفي، ولذا نجد أنه في معرضه الأخير، الذي افتتحه مؤخراً في طنجة، يجمع جلّ أعماله الفنية التي رسمها منذ سنة 1967 وتشكل مجمل أعماله المنفذة على الخشب والورق، والتي استعمل فيها تقنيات ومواد مختلفة حسب تأملاته وتصوره للمحيط وللأمكنة التي أوحت له أو استقى منها تلك الأعمال.
ففي هذا المعرض، الذي وسمه الفنان بـ«حميمة»، تبدو لنا لوحاته كأنها شخوص ثنائية الوجه والجسد، وهذا ما باح به الفنان خلال افتتاح المعرض؛ إذ قال إنه يشتغل في منجزه الفني هذا، خاصة أعماله الحديثة، على إبراز ثنائية الأرض والسماء، الرجل والمرأة، النار والماء، وثنائيات أخرى تصادفنا في حياتنا ومعيشنا اليومي، موضحاً أن «الزوج/‏ الثنائي» يرمز إلى العلاقات الاجتماعية، كما يسلط الضوء على الحساسيات الإنسانية التي تتجلى في أحيان كثيرة على شكل مشاعر الحب والتقاسم، مؤكداً أن لوحاته يمتزج فيها اللصق والرسم من خلال تركيب أوراق رفيعة السُّمك مع بعضها بعضاً ومزجها بالألوان لتشكل رؤيته البصرية الخلاقة. كما أكد أنه يعتمد في لوحاته على الألوان الزيتية الفاتحة والتي تريح العين وتدخل الفرح في قلب المتلقّي.
أما الكاتب والروائي المغربي محمد عز الدين التازي، فقد اعتبر أن في أعمال أحمد العمراني رؤية عميقة للوجود الإنساني. وفي لوحاته الكثير من سحر الفن، وجمالية التعبير تكمن في تلاحم الدلالي والجمالي في الفضاءات والألوان والخطوط وأشكال التعبير، كأنها ولادة جديدة لإنسان يمكن أن يتقاسم العيش مع إنسان آخر لا يستقل عنه، بل إنه يتكامل معه، يعيش معه المشترك والحميمي. ومن خلال مسيرة هذا الفنان، سنجد أنه يشتغل على الجسد بكثير من المعاناة، من أجل صوغه وجودياً وجمالياً على أنماط متنوعة من التعبير التشكيلي، إن هذا المعرض هو لقاء واحتضان لذاكرة بصرية عميقة تتخذ من الثنائيات موضوعاً لها، وذلك من قبيل السماء والأرض والخير والشر والذكر والأنثى، وهي ثنائيات بقدر ما تبدو ضدية، فإنها تنصهر في تجربة الفنان أحمد العمراني لتتخذ تمثيلات جمالية وبصرية تغري بطرح الأسئلة أكثر مما تقدم أجوبة جاهزة، ذلك أن الرهان هو القبض على المنفلت والتحسيس بما هو مقيم في الذاكرة والوجدان.