د. مريم الهاشمي

يعاني أدب الخيال العلمي لبساً في المفهوم ويتقاطع مع أجناس أدبية أخرى -كما يذكر الكاتب الأستاذ محمد الياسين- كالفانتازيا والأسطورة والخرافة، بل يلتبس عند البعض إلى الرواية البوليسية، ليقف أغلب النقاد محبطين من استخلاص تعريف مفهوم واضح لهذا الأدب، فمن ذهب إلى أنه ذلك الأدب الذي يتعامل جزئياً أو كلياً مع موضوعات الغرائب والخوارق والمخاطر، ما يعني أن «أدويسا» هوميروس و«رسالة الغفران» وحكايات ألف ليلة وليلة و«حيّ بن يقظان» و«الكوميديا الإلهية» وأعمال بورغس وكافكا ستكون مؤهلة لأن تكون أدباً خيالياً علميّاً. 
ونجد كذلك من يذهب إلى أن أدب الخيال العلمي يُدرج تحت مصطلح القصص العلمي التصوري، وهو ذلك الفرع من الأدب الروائي الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكل تقدم في العلوم والتكنولوجيا، ويعتبر ضرباً من قصص المغامرات في أحداث تدور عادة في المستقبل البعيد أو على كوكب غير كوكب الأرض، وفيه تجسيد لتأملات الإنسان في احتمالات وجود حياة أخرى في الأجرام السماوية والتأمل في أسرار الحياة، لنجد الاختلاف بين المفهومين في الرؤية والدلالة والاتفاق في خصيصتي الغرائبية والمغامرة، لنصل بذلك إلى أن أدب الخيال العلمي هو أدب مرتبط بالفانتازيا والأسطورة والقصة العلمية التقنية والخرافة وحكايات الرعب ومن هذا الترابط نقف على جذور هذا الأدب الذي يأخذ به إلى الأصل الديني أو الأسطوري أو الفنتازي وبمن يراه أدباً نسبياً أو ابناً شرعياً للتقنية الحديثة. 

  • د. مريم الهاشمي

الخيال العلمي العربي 
وما يعنينا هو حضور أدب الخيال العلمي في أدبنا العربي، وكانت الإرهاصات إن صح التعبير في الأدب الشعبي واستحضار الجن والعفاريت والمعجزات والخوارق، ولكن ندرك أن قصص الخيال العلمي العربي الحديثة لم تظهر نتيجة تطور حقيقي متسلسل من الأدب الشعبي وإنما بتأثير من الترجمات التي وصلتنا من منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنه في الوقت ذاته لا يمكن أن ننكر دور الإرث الشعبي أو الأسطوري لأدبنا العربي، فالكتابة بطبيعة الحال هي قراءة غيرية في مؤلفات، والكاتب الموسوعي ذو المخيلة الواسعة هو قارئ موسوعي، نجح في بناء مستويات قرائية وفق شمولية قراءاته لتؤثر وتخرج وتنفجر في كتاباته. ومن رواد كُتاب أدب الخيال العلمي في الأدب العربي يوسف عز الدين عيسى من مصر في التمثيليات الإذاعية، وجاء توفيق الحكيم ليدخل بأعماله المسرحية أدب الخيال العلمي. 
وأخذ أدب الخيال العلمي في التطور، وتنوعت الطريقة التي تناول بها مبدعوه موضوعاتهم، فجاءت الكتابة على شكل القصة والرواية والمسرحية، وتناول النقاد البنية الفنية وخصائصها الأدبية من التأثير الداهش وطريقة التدرج في الحدث واللغة والغرائبية والفانتازية وقضية التنبؤ والكائنات الفضائية.. وغيرها، أو قد تأخذ منحى أدب تحذيري وغيرها من قضايا وفنيات أدب الخيال العلمي. 

الوجه الخلاصي للخيال
إن مطالب الإنسان العربي وأحلامه الفنتازية كانت وما زالت ضرورية له، فالعربي الذي يعاني الفراق والغربة والشتات والحرب والفقر والبطالة، لم يتغير عن العربي الذي كان يعاني فراق أهله بسبب الفتوحات الإسلامية أو طلب الرزق أو العلم، فحينها استخدم مخيلته في حكايات الطيران على ظهر الجن والعفاريت أو باستخدام المرآة السحرية، واليوم وهو الزمن الراضخ للمادية المتطرفة والكثير من البؤس الإنساني، فقد تمكن كاتب الأدب الخيال العلمي من اختراق الحاجز الإقليمي، فالفقد أو الغياب هو الأس الأول لولادة الكثير من المنجزات الأدبية العظيمة، ولا مبالغة في الزعم أن للخيال وجهاً خلاصياً، وذلك بقدرته الاختراقية على الخيال المتعارف عليه واكتساب حياة مستقبلية غرائبية تساعده في الخلاص المؤقت ومحاولة للتأمل المتأني في سبيل استمرارية ممارسة الحياة، وهو حضور خاصية «القبح» -أحياناً- في الأدب، والقبح شأنه شأن الهجاء، يندرج تحت مظلة الملهاة (الكوميديا) أو السخرية أو التهكم ويصعب تعريفه تعريفاً مقبولاً إذ تتغير معانيه من حقبة إلى حقبة، ومن حركة ثقافية وفكرية إلى أخرى، وهو كمصطلح أدبي أو فني لم يحظ بالاهتمام الكافي. 
والقبح كشكل أدبي وفني ليس بدعة العصر الحديث، بل ضرب جذوره في الحضارة الرومانية المسيحية، حيث تطور في فن الرسم الذي كانت خاصيته الواضحة نسج العنصر الإنساني بالحيواني بالنباتي بالمعماري في لوحة واحدة، ومن المؤكد أن هذا الخلط يحتوي جانباً من الرعب ممزوجاً بالهزلي المضحك. وهو ما نجده في بعض أدب الخيال العلمي، ويرى الكثيرون في القبح أسلوباً ذا وظيفة تصحيحية، إذ يجعلنا نرى العالم الحقيقي من منظور جديد يتصف بالواقعية والموثوقية، ولكن السؤال: هل استجابتنا كمتلقين للقبح لها أثر تحريري أو قمعي يفضي إلى التوتر؟ لذا نجده ثنائي الوظيفة، وبما أنه لا يحاكي الواقع أي لا ينسخه بل يعيد صياغته، فإنه من أداة الخيال العلمي لا يخوض في قضايا من شأنها أن تحتمل الخطأ والصواب، إنه لا يقدم في المآل سوى صورة خيالية وحسب.