ساسي جبيل (تونس)

تعتبر مدينة القيروان التونسية عبر تاريخها الطويل موطن المبدعين في مختلف المجالات الإبداعية، ومثلت المدينة بيئة مؤثرة في الكثير منهم، وحاضنة للعديد من أعمالهم، سواء في الشعر، أو الفن التشكيلي أو المسرح، وغيرها من الفنون.
الفنان التشكيلي صفوان ميلاد اختار مدينة القيروان نمطاً له في كل أعماله، واتخذ من هويتها نسقاً نجح في تجسيمه على أرض الواقع من خلال الجداريات، التي تغطي مساحات واسعة من المدينة التاريخية والحديثة على حد السواء، وهو ما لفت إليه الأضواء بسرعة، حيث ترجم ألوانه في أعمال لا تخطئها العين في الفضاءات الشاسعة المفتوحة على أكثر من أفق، وعلى جدران الشوارع التي تعبق برائحة قرون من الزمان مثلت فيها القيروان حضوراً وامتداداً. 
يقول الفنان التشكيلي التونسي صفوان ميلاد: الرسم كان هاجسي، ويستجيب لميولي الجمالية، وله كبير التأثير على نمط تفكيري وارتباطي، بما يمثل الهوية العربية الإسلامية، ويترسخ في تعبيرات أصيلة تنبض برائحة الماضي والحاضر في آن.

وقاده هذا التوجه الفني إلى مقاربة تشكيلية تقوم على أساس من رمزية الحرف العربي، وما اشتملت عليه منظومة الخط العربي من درر تستساغ، وقادته إلى تطويعها، وتوظيف أشكالها في أبعاد تجاوزت ضيق المساحة لتنطلق أعماله من فضاءات مغلقة ولوحات محدودة الحجم إلى ساحات المدن الأرحب، وما تحتويه من محامل جدرانية وقباب ليمتزج الحرف مع المعمار في تعبيرية عميقة المغزى والمعنى، تحيلنا إلى بهجة النظر وحسن التذوق، بما تكتنزه من سر وجاذبية، لتكون متاحة للعموم أينما ذهبوا.
وهكذا أصبحت أعماله الفنية والحروفية، خصوصاً تلك التي أنجزها خارج الفضاءات المغلقة، محل متابعة من جميع الأوساط الإعلامية، مما فتح له أبواب تمثيل بلاده خارج حدود الوطن في أكبر التظاهرات الأوروبية، حيث أنجز عديد الأعمال الكبرى في الفضاءات المفتوحة، إضافة إلى مشاركته في عدة معارض.
عن الساحة الفنية التشكيلية في تونس، يقول ميلاد: «يعج المشهد التشكيلي التونسي بمختلف التجارب الابداعية مختلفة التوجهات والتيارات والأغراض الفنية».. وهي مهما تباعدت مضامينها، تتحد في تعبيراتها عن الجمال، ومنها المدرسة الحروفية التي ينتمي إليها وساهم في إثرائها خلال مسيرته الفنية، إذ مارس أسلوباً فنياً تشكيلياً يستجيب لمقومات الهوية والأصالة العربية الإسلامية.