هزاع أبوالريش (أبوظبي)

لا بد من أن تكون للمثقف رؤية يستند عليها، ورؤى فكرية يرنو لها ويتطلع إليها، متجهاً نحو أفقٍ تزخر بالنجاحات المبهرة والمسيرة الثقافية الحافلة بالعطاءات التي لا تنضب، ولابد من أن تكون هناك استراتيجية موضوعة تخدم الشأن الإبداعي لديه وتصقل مهاراته لإنتاج ما هو أفضل، ليبقى دائماً مستمراً في النهوض والتحرك والإضافة بعيداً عن التكرار. 
تتعدد الأسئلة وتختلف في محاورها ويبقى المضمون واحداً حول النموذج الثقافي، ومدى قيمة الإضافة التي يثريها المثقف للوطن والمجتمع.. من هنا نطرح تساؤلات لإيجاد الحلول البناءة التي يحتويها فكر المثقف وتسهم في خدمة الإبداع المحلي. 

المثقف الرمزي
قالت الكاتبة لولوة المنصوري: «أرى أن المثقف الرمزي هو من كان عصامياً في بناء نفسه، من يرتقي لأجل فكرة الاندماج مع دواخله وابتكار ما يلزمه من حالة زهد واكتفاء بقوته، فالمثقف الحقيقي لا يبعثر وقته بطاقة اللوم، والشكوى من تهميش الآخرين له، وتتفيه روحه بمساءلة المؤسسات الثقافية في حال تراجع وجوده على الساحة الثقافية». 
وتضيف: كثُر في الآونة الأخيرة في ظل انتعاش الأنشطة الثقافية في الدولة نموذج ذلك المثقف الذي يربط وجوده وحضوره بدور المؤسسات، ذلك المثقف الذي تنكشف ضحالته سريعاً إن لم يجد اسمه ضمن المشاركين في فعالية ما، على سبيل المثال، هو مثقف واهم ومُستعجل في إطلاق أحكامه، واقع تحت سيطرة نفوذ الذات، ذلك المثقف على ما يبدو كرّس اسمه مرضاة للآخرين وبحثاً عن تبرير ما يعزز انتماءه وتهافتاً للانضمام إلى الضوء الذي يظن أن المؤسسات هي الفاعل الحقيقي للوهج، وحين انطفأ الضوء من الخارج لخلل ما انكشفت للمثقف الواهم معالم الظلام الداخلي وخبايا الاتصال الضعيف مع وهجه الجوهري، واضمحلت مسافات الانتماء للقطب الحيوي ألا وهو الإبداع، الذي ينضج بثقة المنزه من كل الأطماع والمصالح. 
واختتمت المنصوري، قائلة: على المثقف لكي يتدفق بقوة وثقة ودهشة فهو بحاجة إلى عصامية لتحمل مشقة تلك الدوامة الحياتية، عبر الموازنة أولاً ما بين ثلاث مسارات: مسار الانكفاء والعزلة، ومسار الاقتناع بضرورة الخروج من كهفها في الوقت المناسب، ومسار العبور إلى العالم كضوء معرفي، ثم التفاعل مع المجتمع وتزويده بالمعارف، ومن ثم العودة مجدداً إلى رحلة العزلة ومعاودة العبور ما بين مسارات الكهف والمجتمع.

هوية ثقافية
ويوضح د. طلال الجنيبي، أديب وشاعر إماراتي، أن للثقافة المحلية خصوصية تنبع من كونها عاكسة للواقع وممثلة له ولامسة لقضاياه وهامسة بهمومه، ومن هذا المنطلق ندرك بوضوح أن النماذج المستوردة لن تتمكن من التعبير عن المثقف بوضوح ولا تعكس قضاياه بجلاء، ولا يمكن الحصول على المثقف الحقيقي إلا بالوصول إليه من خلال النماذج الثقافية المنتمية لذات النسيج، والتي تحمل هوية ثقافية مقاربة للواقع المحلي وهذا الذي لا يمكن للنماذج الثقافية الغربية تحقيقه.

نموذج ثقافي جديد
وترى د. فاطمة الدربي، كاتبة وأكاديمية، أن العالم اليوم يمر بمرحلة إعادة النظر حول النموذج الثقافي، الذي بزغ في عصر الأضواء، وساد في مرحلة الحداثة، فالتحولات العالمية العميقة الجارية حالياً وبوتيرة متسارعة على مختلف الصعد، والتي يصعب التكهن بوجهة مساراتها أو التنبؤ بنهايتها، هي بصدد بلورة نموذج ثقافي جديد، يواكب هذه التحولات ويستوعبها ويستجيب لتحدياتها، مبينة أن منطقتنا العربية ليست بعيدة عن هذه التحولات العالمية وهي تعيش مخاضاتها العسيرة وتنعم ببعض من انعكاساتها الإيجابية وتعاني بدرجة أشد من عواقبها وارتداداتها، فنحن معنيون مباشرة وإلى أبعد الحدود بهذه الظاهرة وتداعياتها، ومدعوون إلى المشاركة في اقتراح نموذج ثقافي جديد يكون عربياً بامتياز، ومنفتحاً في الآن نفسه على الحراك الثقافي العالمي الراهن ومتغيراته ومستجداته، ولا شك في أن صياغة هذا النموذج الذي يوفق بين دواعي انخراطنا في المسارات العالمية من جهة وضرورة تحصين هويتنا الخاصة من جهة أخرى، يفرض علينا مسؤوليات وأعباء جسيمة، فبناء هذا النموذج المستوحى من التراث العربي ويرتبط بواقعنا وخصائصه وتحدياته، يكون بطبيعة الحال غير منقطع عما ينتجه العالم من معارف وأفكار، في إطار حوار الحضارات والثقافات واللغات وتفاعلها وتلاقحها، مما يستلزم وعياً ونهجاً وفكراً جديداً.