عزالدين بوركة (الرباط)

لا يمكن مقاربة تجربة أو قراءتها أو مطالعة خواصها إلا عبر البحث في أبعادها التجريبية، وما تكتنزه من خبرات تولَد عن مراوحة بعديْ التخريب والتجريب، من أجل البناء والتشييد. فلا ينتج النظام إلا بعد الفوضى العارمة، وكل عمل فني هو تنظيم للفوضى وتخريب للعالم عبر تجريب إعادة تنظيم مفرداته وأجزائه في شكل تعبيري مغاير. وهذا ما يجسد تجربة الفنان الإماراتي المعاصر عبد الله السعدي؛ الذي تتراوح أعماله بين الرسم والتصوير والدفاتر الفنيّة، إلى التجميع والتصنيف المنظّم لأشياء يتم العثور عليها في كل مكان يرتحل فيه وإليه.

تتعدد أساليب وتيارات الاشتغال لدى السعدي، لكن يظل الهم والهاجس واحدا، بلوغ «نظرية فنية للعالم»، حيث يحاول مزج العمل الفني بالعالم الخارجي وجاعلاً منهما يتكاملان ويتناغمان، جاعلاً «مفردات» العمل الفني مشكلة لهذا الأخير في الوقت عينه تعود إلى أصلها، فيصير من الصعب فصل المنجز الفني عن العالم والمحيط الذي وضع فيه. كما هو الحال في عمله التجريبي التركيبي، «النعال الحجرية (الزنوبة)»، سنة 2013. حيث «يجسّد هذا العمل رحلة الفنان عبر المنطقة الشمالية فـي دولة الإمارات وعُمان، إذ جال الفنان بمصاحبة كلب، وحمار اسمه «قمرقند»، عبر المنطقة الجبلية ووثق المناظر الطبيعية بالصور الفوتوغرافـية وأشرطة الفـيديو ولوحات بالألوان المائية، مسجلاً انطباعاته البصرية بنوع من الروحانية المتولدة من علاقته بالأرض وعناصرها.

  • العمل التجريبي التركيبي «النعال الحجرية»

ربط السعدي علاقة وثيقة بالفنان الإماراتي الرائد الراحل حسن شريف، ومن خلاله ولج إلى عالم المفاهيميّة، مستخدماً كل ما تقع عليه يداه من مواد وخامات في إنجاز أعماله. وتتفق جل أعمال الفنانين على خاصة التجريب في الفن، هذه العملية التي يقف عليها بشكل مهم الفن المفاهيمي، الذي يتكئ على بلوغ بالفكرة إلى الأقصى قد يُلغى الجانب المادي أمامها إن دعت الضرورة، حيث ليست الأغراض والمفردات المادية إلا عناصر تخدم الفكرة، لهذا يحق تجريب «أي شيء»، ومعه يصير «كل شيء» فناً. وإذن تجاوز الحدود والقواعد ومنه إلى تجريب «الكل» المتاح.
وهذا هو المنطلق الذي يمكننا من بلوغ أعماق تجربة السعدي، الذي لا يستعين بمواده وخاماته إلا خدمة للأفكار التي يرغب في إبرازها. والتي تتخذ في الغالب لنفسها البيئة والمحيط والحياة المنطلق الأساس. إذ تغذّي أعماله التركيبية علاقتها مع الطبيعة والحياة الريفيّة عبر ممارسة فنية تستكشف البيئة المتغيّرة والتاريخ الشخصي والثقافي المحلي في الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص، مخترقة بذلك البيئة والتاريخ العربي. قبل أن تبحث لنفسها عن موطئ قدم في البعد العالمي، إذ في الفترة ما بين (1994-1996) درس الفنان الفن الياباني في جامعة كيوتو سيكا اليابانية.