فاطمة عطفة (أبوظبي)

«منذ السادسة من عمري لا أغادر مصر إلا قليلاً، ثم سرعان ما أعود إليها، فيها طفولتي وصداقاتي ودراستي، عشت الظروف التي حدثت في مصر، السياسية والاقتصادية والفنية والثقافية، وفيها تكونت ثقافتي، كنت واحدة من المصريين، مصر هي الوطن الآخر. أضف إلى ذلك محبة الشيخ زايد لمصر، ومحبة الوالد لمصر أيضاً. نحن، أهل الإمارات، أكثر الشعوب محبة للشعب المصري، وأنا واحدة من الشعب المصري أيضاً، وجزء من الثقافة المصرية». هكذا تحدثت الشاعرة والكاتبة والفنانة التشكيلية ميسون صقر القاسمي، في مستهل جلسة افتراضية نظمها أمس الأول، صالون «الملتقى الأدبي» احتفاء بكتابها الجديد. وقدمت أسماء المطوع، مؤسسة الملتقى، لمحة عن كتاب ميسون صقر «مقهى ريش: عين على مصر»، وهو أحد الكتب المرشحة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، والذي استغرق إنجازه عدة سنوات.
قالت المطوع: «المقاهي لها دور كبير في حياة الناس، ومقهى ريش في القاهرة معلم تاريخي من معالم التراث الشعبي العربي على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية، كما عبرت القاسمي في الكتاب، حيث كانت المقاهي ملتقى المثقفين والشعراء والأدباء والفنانين»، مشيرة إلى أن الكتاب يأخذ القارئ في رحلة عبر المكان وتحديداً القاهرة، وعبر الزمان يحدثنا عن ماضيها وحاضرها من خلال التجربة الشخصية. وتستذكر الكاتبة قول الروائي جمال الغيطاني، وهو أحد رواد مقهى ريش: «المقاهي مفاتيح أساسية للمدن وطبائع أهلها». وأشارت المطوع إلى قول الأديب نجيب محفوظ، وهو من أهم رواد مقهى ريش: «مصر ليست مجرد وطن في حدود، لكنه تاريخ الإنسانية كلها».
وقالت ميسون القاسمي خلال الجلسة إن الكتاب فيه محبة وامتنان، مؤكدة أن المقهى يستحق الكتابة عنه، خاصة  فيما يتعلق بالجانب الوثائقي، لأنه لم يكتب من قبل عن علاقة الأماكن بالسياسة والثقافة والوعي. وأضافت أن «ريش» ليس مجرد مقهى يذهب إليه بعضهم لتناول الشاي أو القهوة، إذ إن علاقة المصريين بالمقاهي علاقة ثقافية وإنسانية، كما إن «ريش» ارتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ مصر ومدينة القاهرة.
وفي مداخلته، قال الكاتب الأميركي من أصل مصري توماس جورجيسيان، إن الكاتبة استطاعت أن تجمع في مئات الصفحات كل ما كتب أو شعر به الناس تجاه «مقهى ريش»، فهو ليس مجرد مكان بل جزء من الذاكرة المصرية، والكتاب تطرق إلى العمارات الخديوية وما نسميه «وسط البلد»، وهذا يعني أشياء كثيرة، كما إن الكتاب يعكس اندماج الجاليات والثقافات في مصر التي تستوعب الآخر، كذلك فإن «مقهى» ريش يفتح الشهية لكتب أخرى تتحدث عن أشياء مشابهة مستقبلاً.ومن جانبه قال الروائي الكبير إبراهيم الكوني: إن هذا العمل الذي قدمته الكاتبة ميسون صقر هو عمل ملحمي يروي سيرة  المكان في مصر، حيث ترصد التاريخ من خلال «مقهى ريش» لتقدم بحثاً وسرداً عميقاً من ثروة ثقافية، لأن المقاهي كانت منتديات، وليس غريباً على الشاعرة ميسون صقر أن تقتنص هذا البعد من فكرة المقهى وترصد واقع المكان وتاريخه. وأضاف الكوني أنه يعتقد أن الكتاب رواية مؤثرة، لأن الكاتبة تتحدث عن قيمة الأشياء من خلال الحي والمقهى، لتصنع أسطورة أدبية، لذلك فهي مادة روائية بكافة الأبعاد وبحجم الزمن وعمق الأشياء. ولفت إلى أن هذا الكتاب يقارن بثلاثية نجيب محفوظ، وهي جديرة أن تستكمل بجزء ثان. ورأت جميلة خانجي أن الكتاب ملحمة للتعريف بالأماكن والثقافة في حقبة زمنية من تاريخ مصر الحديثة بطريقة شاعرية سلسة في السرد، مشيرة إلى سياقات مختلفة من خلال طرح موسوعي وأدلة بصرية ذات موثوقية عالية وبحث دقيق ومتنوع.  
وقالت الكاتبة والصحفية عبلة الرويني، زوجة الشاعر الراحل أمل دنقل: الكتاب بحثي وتوثيقي لأزمنة وأحداث مختلفة، وأخذ أكثر من عشر سنين، لتجمع القاسمي المادة وتقابل أشخاصاً لهم علاقة بتاريخه. ورأت أن استدعاء التاريخ بهذا السرد الجميل هو استعادة للذاكرة والإرث الثقافي المصري، فهو عمل بالغ الأهمية، كما أنه تعبير من الكاتبة القاسمي لانتمائها لمدينة القاهرة والثقافة المصرية وتعبير عن محبة عميقة، متبادلة بالتأكيد.