فاطمة عطفة
أعمال الفنان الرائد محمد أحمد إبراهيم تستلهم جمال الطبيعة عبر معرض حمل عنوان «بين الشروق والغروب»، وتناغم البحر والكثبان والجبال في خورفكان لتفرض نفسها في بينالي البندقية 2022، ليصبح للفنان الإماراتي حضور عالمي لافت، وخاصة أن بيئة الإمارات وطبيعتها المتنوعة زودت أعمال الفنان بجماليات خاصة، جعلته يرفع اسم الإمارات مشرقاً في أهم المعارض العالمية، حيث لم يعد الفن التشكيلي الإماراتي مقصوراً على منطقة الخليج فحسب، بل أخذ يشغل مكانة وأهمية عالمية متميزة.
ومع مواكبة هذا الحدث العالمي المتميز، تلتقي «الاتحاد» الفنان محمد أحمد إبراهيم، في حوار استثنائي يبحر بنا في عالم التشكيل المبدع.
* ماذا يعني للفنان إبراهيم عنوان «بين الشروق والغروب»، وهل هو من وحي الطبيعة في خورفكان أم من وحي حياة الفنان وتطور تجربته في العمل والحياة؟
- هو رمز لمدينة خورفكان؛ لأن شمسها عندما تشرق من ناحية البحر تختفي خلف الجبل، فتأتي فترة الغروب فيها نوع من الظلال، وهذا المفهوم بالنسبة لي خلق المسافة ما بين الشروق والغروب، وهذه المسافة الفعلية التي تمتد من البحر إلى البحر، تبرز لنا بيئة مختلفة تمتد بين الجبال والصحراء، وهذا التنوع يشكل مسافة زاخرة مملوءة بالأشياء الحسية والفلسفية والفكرية، سواء من ناحية التفكير أو من ناحية البصر، ومن هنا جاء هذا المفهوم «ما بين الشروق والغروب»، الذي يحمل معاني كبيرة قابلة للتحليل أو التفسير.
* الانطلاق من المحلية إلى العالمية، ماذا يشكل في مسيرة محمد إبراهيم الفنية؟
- أساساً الفن لغة عالمية، وهو الخطاب البصري المتاح لكل الثقافات ولجميع الشعوب؛ لذلك فإن قراءة اللغة البصرية هي قراءة سهلة، وبالوقت نفسه هي لغة قوية قادرة على حمل كل ثقافات المجتمع، وبالتالي لها أهميتها. وبالنسبة لنا في العالم العربي، هي ثقافة مكتسبة وحديثة، دخلت علينا حاملة لنا خطاب الإنسان والمجتمع نفسه، وبحكم أن الفنان من هذا المجتمع، فهو بالتالي محمل بالثقافات والرؤى من مجتمعه.
وفي الوقت الحالي يُقاس مدى تطور المجتمع من خلال فنونه البصرية والموسيقى، وحتى فنون الطبخ، ومن هنا تأتي أهمية الفنون التي تحمل رسالة للمجتمع الآخر أو للعالم بشكل واضح، في ظل سهولة التواصل وانتقال المعرفة.
* خصوصية المكان ورمزيته، كبيئة ومجتمع، ما هو تأثيرهما على عمل الفنان إبراهيم؟
- هناك تأثير سواء من ناحية البيئة الاجتماعية أو الجغرافية وهي واضحة في أعمالي الفنية، بحكم أنني أعيش في بيئة مختلفة بعض الشيء، والمنطقة محوطة بالجبال من ثلاث جهات، مع جهة واحدة للبحر، وهناك علاقة بين البحر والجبل، وطبيعة الجبال هي صديقة لابن البلد، فمنها نستخدم المواد الخام مثل الطين والأحجار والأعشاب والأشجار، وبحكم وجودي في هذه البيئة المختلفة نوعاً ما أثر بي وأكسبني مفهوماً ورؤية مختلفة؛ ولذلك زاد تعلقي بالبيئة ورأيت أننا عندما ننظر للجبل من بعيد نشعر أنه جبل فقير وجامد، لكن لما بدأت أقترب منه اكتشفت عكس ذلك تماماً، فالجبل كائن حي ينمو ويكبر وفيه كائنات حية ومخلوقات ونباتات، ومن هنا بدأت أستخدم المواد الجبلية من طين وأعشاب وأغصان يابسة، وهكذا أنتجت مادة خاصة بأعمالي من بيئتي.
* هل المكان شريك للفنان في تشكيل اللوحة؟
- نعم، المكان مهم ومؤثر، كما أن المكان يضفي شخصيته على العمل الفني، ويمكن أن يكتشف الناظر لعمل فني ما، أنه ينتمي إلى منطقة صحراوية أو جليدية أو جبلية، وتلقائياً تتكشف رموز البيئة بالعمل إذا كان الفنان منتبهاً أو مهتماً بالبيئة.
* اطلاع الفنان وتفاعله مع التجارب العالمية، ماذا يضيف إلى رؤيته وتجربته الإبداعية؟
- الحضور العالمي يضيف إلى الفنان مشاهدين من ثقافات متعددة، وبهذا تصل رسالته إلى شريحة أكبر ويصير هذا الحضور نوعاً من التأثير والتأثر، ومن هنا تأتي أهمية المعارض العالمية.
* ما الخامات الخاصة التي استخدمها الفنان محمد إبراهيم في منحوتاته؟
- أستخدم المواد الطبيعية، مثل الطين، أوراق الشجر، وأوراق النباتات «عجينة الورق»، ودائماً أحاول أن أتجه للمواد الطبيعية، وأستخدم فقط الغراء بحكم أنه يعطي تماسكاً للمواد ويجعلها تعيش فترة أطول، ودائماً أبحث عن أشكال غير مباشرة، خاصة في المجسمات الأكثر حرية وفضاء لمخيلة المشاهد بحيث يقرؤها بطريقته الخاصة، ولا أفرض على المتلقي قراءتي، فالمنحوتة يمكن أن يراها المتلقي سمكة وآخر يمكن أن يراها شيئاً مختلفاً، وهذا متاح للمشاهد وفقاً لقراءته للمنحوتة وثقافته، وفي هذه الحالة يمكن للمشاهد أن يستمتع بالعمل.
* كيف ينظر الفنان إبراهيم إلى تجارب الشباب في فنون التشكيل، في ظل توافر التكنولوجيا الحديثة؟
- جيل الشباب محظوظ للغاية بوجود الإمكانات التكنولوجية الحديثة المتوافرة له، فالشباب في مجتمعنا لديه الإمكانات والمعلومات والدعم والمعرفة، وأرى أنه جيل متفائل وطموح وجاد من خلال دراسته للعمل الفني، وهناك تجارب شابة لها طرح عالمي جاد.
* مشاركتك في بينالي البندقية 2022، كيف تنظر لتأثيرها على مسيرتك الفنية؟
- المشاركة هي مسؤولية كبيرة، وشرف عظيم لي أن أمثل مجتمعي ودولتي في هذا المحفل الدولي لأقدم للعالم تجربة إماراتية متميزة، وفي معرض البندقية يوجد المشاهد العادي والمشاهد المتخصص والمعني بالفنون، ومن هنا تأتي أهمية هذه الفعالية العالمية.
مايا أليسون: فن تجريبي مبتكر تجاوز الحدود التقليدية
قالت مايا أليسون المدير التنفيذي لرواق الفن ورئيس القيمين الفنيين في جامعة نيويورك أبوظبي، والقيّمة الفنية لمعرض الفنان محمد إبراهيم «بين الشروق والغروب»، بالجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية، إن المجتمع الفني في دولة الإمارات شهد سلسلة من التحولات خلال العقود الأخيرة، وكان للفنانين حضور عالمي على الساحة الفنية، ولكن ملامح المشهد الفني بدأت في التشكل خلال ثمانينيات القرن الماضي، وهكذا بزغت موهبة محمد أحمد إبراهيم في ممارسته الفنية أوائل عام 1986، إلى جانب فنانين إماراتيين آخرين من مجتمع الفن التجريبي الذي بات فيما بعد يعرف باسم «الفنانون الخمسة»، وكان نشاطهم الفني معروفاً في المنطقة، ولكن كان له انتشار أقل لدى أقرانهم الدوليين خارج منطقة الخليج حتى عام 2009، عندما انعكس نمو المشاريع الثقافية في الإمارات على المشهد الفني المحلي وزاد من تسليط الضوء عليه.
وترى أليسون أن أعمال إبراهيم في طليعة الأعمال الفنية التي تستلهم مواضيعها من الطبيعة، كما تتطرق أيضاً إلى العلاقة المباشرة مع الوعي الفردي، والتجربة المادية، والذاكرة، وكان لأعماله تأثير على أجيال من الفنانين، وخاصة فيما يتعلق بمفهوم الفن التجريبي والممارسات الفنية المبتكرة التي تجاوزت الحدود التقليدية، بغض النظر عن المادة أو الوسيلة التي يختارها الفنان لتجسيد فنه.
وعلى مدار نصف القرن الماضي، كان الموضوع الأبرز الذي تدور حوله أعمال الفنانين الموجودين في الإمارات هو محاولة فهم موقعهم، سواء كان ذلك حرفياً أو مجازياً من المنظور الثقافي، وقد لا يكون ذلك مفاجئاً؛ نظراً لامتداد المناظر الطبيعية الصحراوية، بالتوازي مع التطور العمراني المذهل للدولة في الوقت ذاته. وخلال عقود بسيطة، شهد هؤلاء الفنانون التحولات السريعة التي مرت بها دولة الإمارات كما لم يرها غيرهم من قبل، وفي خضم ذلك، واصل إبراهيم إطلاق العنان لإبداعاته الفنية.
ومن المهم للغاية أن يشارك أي فنان في مثل هذه المعارض العالمية، التي تشكل بوتقة ينصهر فيها الفنانون من جميع أنحاء العالم، وتتيح لنا توسيع آفاقنا ومداركنا حول الفن وتاريخه، وما سيكون عليه في المستقبل.
وتشير أليسون إلى أن لدى الفنان محمد إبراهيم قدرة إبداعية كبيرة على صنع أشكال مجردة قد تبدو مألوفة للوهلة الأولى، مثل حيوان أو شجرة أو إنسان أو مبانٍ أو كتابة، ولكنها في الواقع لا تمثل أياً من هذه العناصر، ومن الأمثلة على ذلك أشكاله التي أسميها «بيومورفيك» التي تظهر في فنه، وهي تلك الأشكال المجردة التي تستمد شكلها من الأشكال العضوية، وهو يسميها «الرموز»، بحيث يستطيع أي فرد من أفراد الجمهور أن «يقرأها»، وفقاً لارتباطه بالعمل.
وعن تطور أعمال الشباب الفنية في الإمارات بفعل التكنولوجيا الحديثة، قالت أليسون: أنا من أشد المعجبين بكيفية استخدام الجيل الناشئ من الفنانين لجميع الأدوات الممكنة والمتاحة لهم بما يساعدهم على ابتكار أعمالهم الفنية، وممن يتبادر اسمه إلى ذهني الآن هو الفنان الجميري، الذي ابتكر تركيباً مهماً باستخدام مستشعرات من شأنها تشغيل أصوات مختلفة عندما تسير بينها، وكان ذلك استخداماً رائعـاً للتكنولوجيا في الفن.