نوف الموسى (دبي)

بناء المساحات النقاشية من خلال الإقامات الفنية، في المجتمع الفني بدولة الإمارات، سيساهم بشكل استثنائي في إعادة تعزيز ثراء الثقافة المحلية، وإمكانية طرح سلسلة من الموضوعات، التي تدفع بطريقة نوعية لإثراء حوارات الفنانين البحثية، وإحداث حالة من التبادل الثقافي مع مختلف المجتمعات الإبداعية والفنية من حول العالم.. تأكيد أشار إليه عبدالمنعم بن عيسى السركال، مؤسس مبادرات السركال ومؤسسة السركال للفنون، في حواره لـ«الاتحاد» أثناء الإعلان عن النقاشات والموضوعات الرئيسية التي سيتناولها الفنانون في النسخة الثانية من برنامج «منح السركال البحثية»، الهادف إلى تطوير أساليب البحث وأنماط الممارسة التقليدية، فضلاً عن دعم الإنتاج المعرفي وإثراء الحوار النقدي الذي من شأنه إحداث حراك يساهم في توسعة الحدود بين مختلف التخصصات الفنية. 

إثراء الثقافة
ومن هنا جاء تركيز المنح على الأطر البديلة التي تربط الفنون بالعلوم الإنسانية، ما يطرح مجدداً السؤال الجوهري حول أثر «الإقامات الفنية» و«برنامج المنح البحثية» التي تتيحها مؤسسة السركال للفنون، لاستكمال دائرة استدامة تطور العلاقات الإنسانية في المساحات المشتركة بين الفنانين في السركال آفنيو، والجمهور من النقاد والمهتمين والزوار لفضاءات السركال الفنية، باعتبارها منصة اجتماعية، تسعى لإثراء الثقافة المعرفية وتوسيع نطاق الممارسة الإبداعية عبر الفنون، المتصلة بشكل مباشر بحياتنا اليومية. 
واللافت في تجربة المنح البحثية، هو اختيار مجموعة من الفنانين، الذين شارك بعضهم في برنامج الإقامات الفنية، ضمن مبادرات مؤسسة السركال للفنون، كأعضاء لجنة اختيار متعدّدة التخصصات، لتقديم الاستشارات للمؤسسة، وتوجيه الحاصلين على المنح البحثية والفنانين المقيمين في برنامج إقامة السركال وإرشادهم، ومنهم الفنان لورانس أبو حمدان، ما يعزز قيمة التجربة الشخصية للفنان، من خلال استمرارية التراكم الاجتماعي وامتداده نحو بناء مجتمعات صغيرة في داخل المجتمعات الفنية نفسها، ذات المسؤولية المستقلة التي من شأنها أن تعزز الإنتاج الإبداعي للفنان، وحضوره في المساحات النقاشية المشتركة، كمحرك لفعل الموضوعات الفنية وتنوعها. 

 

مشهدية بصرية
وتضمنت لجنة الاختيار كذلك القيّمة والباحثة مايا الخليل، والمهندسة والمعمارية روبالي غوبتي، وعالمة الاجتماع والمؤلفة والبروفيسورة شاندانا خان مهمند، وقد تم اختيار المجموعة بسبب تنوّع خلفياتها وتعدّد ممارساتها وتخصصاتها، وتمتد اهتماماتها البحثية لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي وجنوب آسيا وغرب آسيا وأفريقيا.
وأكدت فنانة الأداء والكاتبة ميثاء السويدي، وهي ضمن الحاصلين على المنح البحثية لنسخة 2022 - 2024،  أن عملها يتمحور بشكل أساسي حول تفاصيل المشهدية البصرية للحياة المنزلية لشريحة سكانية، من بينها على سبيل المثال مكونات الأثاث المنزلي، معتمدة بذلك على الفوتوغرافيا والأرشيف الخاص بالعائلات، الذي تعتبره كنزاً ثميناً، يستدعي من الباحثين السعي لاستخراجه، وإعادة تشكيله من خلال مسارات إبداعية متعددة، إضافة إلى توثيقات صوتية تتضمن مقابلات حيّه.. وإمكانية رسم خرائط تعبيرية وهندسية، لأشكال البيوت ومساحاتها الداخلية، والانتقالات التي شهدتها الأسرة الواحدة من بيت لآخر. 

وقالت ميثاء السويدي: «عن طريق السجلات التاريخية، التي عمل عليها الناس مسبقاً، وسؤال كبار السن عن أول بيت انتقلوا فيه، وكيف يتذكرون شكل البيت، سأسعى إلى التعبير البصري عن هذه الذاكرة، من أجل أن تدركها الأجيال في المستقبل عبر نقاشاتهم المجتمعية والإبداعية، ما يعزز قيمة كل مجتمع في التعبير عن نفسه، وإحساس انتمائه للمجتمع العام».

مساحة للإبداعات
وبين تجربة الإقامة الفنية، والانتقال إلى دعم الفنانين الناشئين في برنامج المنح البحثية، أوضح الفنان لورانس أبوحمدان، بأنها فرصة تقدمها مؤسسة السركال للفنون، لدعم الفنانين الساعين إلى تأسيس أعمالهم، والتي لا تتشابه في معاييرها مع آلية إنشاء الشركات الاعتيادية، كون الفنان يبدأ باستخدام إمكانياته الفنية وأدواته في التعبير عن مشروعه، مضيفاً أن برنامج الإقامة الفنية بالنسبة له، لم يكن للعمل على مشروعه الفني فقط، ولكنه بمثابة مساحة لإبداعات نقاشية مع الفنانين المحليين لإدراك مضامين ممارساتهم الفنية، التي تنتج مع الوقت لغة خاصة بها، يجرب من خلالها إنتاج الأعمال الفنية، فليس مهماً وقتها المواد والوسائط المستخدمة، بقدر المشاركة والحوار الذي نحتاج إليه ليشعرنا جميعاً بالتواصل والانتماء إلى المساحة الفنية المشتركة، التي لا تكون مقتصرة على عرض الأعمال، والاحتفاء بالمعارض الفنية، بل تمثل فعلياً أسلوب حياة متكاملة، مبيناً أن دور المؤسسات الثقافية والفنية، يكمن في إتاحة هذه المساحات التي بمقدورها أن تسمح للفنانين بأن يؤسسوا منصاتهم ورؤاهم الخاصة، الكفيلة بالضرورة لإتمام عملية استدامة تطوير الحراك الثقافي والفني.

4 مِنح بحثية
جاءت المنح البحثية لنسخة 2022 - 2024، بمعدل 4 مِنح بحثية، حيث حصلت الباحثة الاجتماعية وصانعة الأفلام لبنى أنصاري، وفنانة الأداء والكاتبة ميثاء السويدي، وكلتاهما من الإمارات، على منحة فردية بقيمة 5.000 دولار لكل منهما، للمساعدة في تمكين أصحاب المواهب الأكاديمية والفنية الناشئين. وكذلك، قُدّمت منحتان أخريان جماعيتان قيمة كل منهما 10.000 دولار إلى عالمة الاجتماع ناتاشا كيريت مارو ومصممة البيئة ريا شاه من الهند، وخالدة عماد مبارك الجاك وزينب جعفر، المعماريتين والباحثتين في الشؤون الحضرية من السودان. وقد اختيرت المشاريع البحثية الفائزة بالمنح من بين أكثر من 150 طلباً مشاركة من 48 دولة.